يقولون إن مفردة “التخصص” تعد من مفردات النجاح ورافعة لتحقيق الأهداف في أي مجال كان، فالتخصص يدخلك في التفاصيل ليعالجها بشكل مركز، وهذا الأمر ينطبق على منظومة ريادة الأعمال الأردنية التي تكاثرت فيها، مؤخرا، برامج وحاضنات أعمال متخصصة في قطاعات حيوية تعمل على دعم الرياديين الى جانب الحاضنات العامة، وهو ما يرى فيه خبراء أمرا إيجابيا يجب التوسع فيه لأنه يزيد من احتماليات تخريج شركات ناشئة بجودة عالية قابلة للتوسع وعلى استقطاب الاستثمار.

وأكد الخبراء أهمية إنشاء وإطلاق مزيد من حاضنات الأعمال المتخصصة في المملكة ودعمها بالشكل المطلوب، لتخريج أكبر عدد من الشركات الناشئة في الأردن، الأمر الذي قد يفرز عددا من قصص النجاح لشركات يمكن أن تحدث أثرا اقتصاديا كبيرا.

ودعا الخبراء، الرياديين والشباب أصحاب الأفكار، الى اختيار حاضنات الأعمال المتخصصة حسب احتياج أفكارهم ومشاريعهم، وخصوصا أن هذه الحاضنات تعد اليوم أداة مهمة في تطوير ريادة الأعمال ودعم المشاريع الناشئة وزيادة فرص نجاحها وقدرتها على التوسع وجلب الاستثمار.

وبلغة الأرقام، يحتل قطاع ريادة الأعمال في الأردن المركز الرابع على مستوى الإقليم، مع وجود 17 مؤسسة تمويلية للمشاريع الريادية، منها 14 صندوقا استثماريا خصصت مجتمعة 110 ملايين دولار للاستثمار في المملكة، وأكثر من 40 حاضنة ومسرعة أعمال في المملكة.

وثمة أرقام رسمية أخرى، تظهر أن الأردن يحتضن 200 شركة ناشئة مسجلة، كما تظهر الأرقام أن العام 2021 شهد ارتفاعا في حجم الاستثمار في الشركات الناشئة في المملكة، إذ وصل إلى حوالي 120 مليون دينار، مقارنة بحوالي 20 مليونا في العام الذي سبقه.

قبل أسبوعين، أطلقت شركة “مرايتي” أول حاضنة أعمال افتراضية متخصصة لدعم الرياديات في مجال منتجات التجميل، وشاركت فيها نحو 35 سيدة تم اختيارهن للانضمام والاستفادة من البرنامج، وأسفرت عن نتائج مهمة لهذا العدد من الرياديات في هذا القطاع المتخصص.

وقالت المؤسسة والرئيسة التنفيذية لشركة “مرايتي” رموز صادق “إن إطلاق حاضنة الأعمال الافتراضية جاء من باب المسؤولية الاجتماعية للشركة تجاه مجتمع السيدات العاملات والرياديات، وتجاه صناعة التجميل بشكل عام وللمساهمة في رفع مستوى التصنيع المحلي”.

وبينت صادق، أن الحاضنة هدفت الى إرشاد وتوجيه السيدات ودعمهن بشكل متخصص في مواجهة عقبات كبيرة، منها ضعف المنتج وتصميمه وتغليفه وضعف الدراية القانونية في إنشاء الأعمال وضعف الخبرات التسويقية، موضحة أن برنامج الحاضنة حقق نتائج مهمة في توعية السيدات بأخطار العمل خارج إطار القانون، وتحسين جودة المنتجات كتراكيب وتغليف، بالتعاون مع الخبراء المختصين، ودفع مشتركات لتغيير المنتجات لتصبح أكثر ملاءمة لاحتياجات السوق وغيرها من النتائج.

وقالت المتطوعة في مركز الابتكار والريادة في الجامعة الأردنية د.فاطمة قيس الراوي “إن حاضنات الأعمال المتخصصة (Specialized Business Incubators) هي عبارة عن مؤسسات تقدم الدعم والمساندة للشركات الناشئة في مجالات محددة من خلال توفير بيئة ملائمة وتقنيات وخدمات متخصصة، لتساعد على تسريع نمو هذه الشركات وتطويرها”.

وبينت الدكتورة الراوي، أن حاضنات الأعمال المتخصصة تختلف في تخصصاتها حسب مجال العمل الذي تركز عليه، فمنها ما يركز على الابتكارات التكنولوجية، ومنها ما يركز على الصناعات الثقافية والإبداعية، ومنها ما يركز على الصناعات الزراعية والغذائية، ومنها ما تخصص أكثر في صناعات المستقبل مثل صناعة الأمن السيبراني، أو الذكاء الاصطناعي، أو التقنية المالية “الفينيتك” وغيرها الكثير من الأمثلة.

بيد أن حاضنات الأعمال المتخصصة، بحسب الراوي، تتميز بأنها تقوم باستقبال مشاريع محددة في مجالات متخصصة، مثل التكنولوجيا أو الصناعات الثقيلة أو الصناعات الغذائية أو المشاريع الزراعية أو الصحية والعلوم الطبية وغيرها، فضلا عن تميز فرق العمل فيها بخبرات متخصصة في المجالات التي تتناولها؛ حيث توفر للمشاريع الدعم التقني والتمويل والتدريب في المجالات المتخصصة التي يحتاجونها. في حين أن فرق العمل في الحاضنات التقليدية عادة ما تتكون من خبرات عامة في مجال ريادة الأعمال والتسويق والنمو في سوق العمل.

وأكدت الراوي أهمية ما توفره الحاضنات المتخصصة من شبكات مهنية متخصصة في المجالات التي تعمل فيها، وتساعد أصحاب المشاريع على التواصل مع عملاء ومستثمرين وشركات محتملين في هذه المجالات ذات الصلة.

ولخصت الراوي، بالقول “إن وجود حاضنات الأعمال المتخصصة في الأردن يعد مهماً لتطوير الاقتصاد المحلي وتشجيع ريادة الأعمال في المجالات المختلفة، وتعد الحاضنات إحدى الاستراتيجيات التي تساعد على تحسين بيئة الأعمال في الأردن”.

ومن جانبه، قال مدير البرامج في جمعية شركات تقنية المعلومات والاتصالات الأردنية “إنتاج” زياد المصري “إن فكرة إنشاء وإطلاق وتوفير حاضنات أعمال متخصصة ترعى الرياديين بشكل متخصص، هي فكرة “مهمة” لمنظومة ريادة الأعمال”، داعيا الى التركيز على حاضنات الأعمال المتخصصة في صناعات المستقبل مثل الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي وأنترنت الاشياء والتقنية المالية “الفينتيك”، وغيرها من الصناعات التي يتوقع لها مزيد من النمو والانتشار مستقبلا سواء على المستوى المحلي أو العالمي.

وقال المصري “كلما تخصصنا أكثر زادت نسب نجاحاتنا”، ولكن شريطة أن يكون للمجال المتخصص الذي تعمل عليه الحاضنة سوق يمكن فيه تجربة المنتج والشركة، وفحص إمكانيات للتوسع والنمو مستقبلا.

وأكد المصري، أن فكرة الحاضنات المتخصصة وزيادة عددها يمكن أن تفتح آفاقا استثمارية وعملا اقتصاديا جديدا في الأردن.

الشريك الإداري في شركة المتكاملة لدعم المشاريع الناشئة “فينتشر اكس” يوسف حميد الدين، قال “يجب أن ننطلق من واقعنا ونبني عليه في منظومة ريادة الأعمال الأردنية، فما هو مطلوب زيادة عدد حاضنات الأعمال العلمية والمتخصصة والمرتبطة بالجامعات كونها أقرب الى الشباب، التي يمكن بدورها أن تخرج أكبر عدد من الشركات الناشئة سنويا”.

وبشكل عام، وعلى صعيد متصل، يرى حميد الدين “أنه لتحقيق ما سبق علينا الوقوف على واقعنا بالإجابة عن الأسئلة الآتية: متى يكون حجم وعدد الشركات الريادية له أثر اقتصادي؟ كيف نصل إلى هذا العدد؟”.

وبين حميد الدين، قائلا “من هنا يتطلب عمل نموذج مخرجاته تبين وتعطي لنا عدد مسرعات الأعمال، وحاضنات الأعمال، والحاضنات العلمية المطلوب توفيرها لكي نحقق الأثر الاقتصادي المنشود”.

ومن جهته، يرى الخبير في مجال ريادة الأعمال نضال قناديلو، أن إيجاد حاضنات أعمال عامة أو خاصة وزيادة عددها هو أمر أساسي لتطوير منظومة ريادة الأعمال لأن من شأنها تخريج وإيجاد شركات ناشئة ذات جودة عالية قابلة للتوسع واستقطاب الاستثمارات المحلية والإقليمية والعالمية، لأن فكرة الحاضنة أيا كان نوعها عامة أو متخصصة، تؤسس وتعلم وتدرب الريادي على مفاهيم ريادة الأعمال والتسويق والأمور المالية والقانونية وتضعه بالعموم على المسار الصحيح.

وبالنسبة لحاضنات الأعمال المتخصصة، أوضح أنها أمر مهم، ولكن نجاحه يتوقف على نوعية البرامج التي تقدمها الحاضنة ومقدرتها على جذب عدد كاف من الشركات الناشئة التي يمكنها العمل في مجال متخصص مثل “الفينيتك” أو الأمن السيبراني أو البيئة أو غيرها من المجالات المتخصصة.