في الأردن، أصبحت الحاجة إلى تعزيز الأمن السيبراني أكثر إلحاحا مع التوسع في التحول الرقمي واعتماد المؤسسات الحكومية والخاصة على التكنولوجيا في تقديم الخدمات. ومن بين الجهود الوطنية البارزة، قام المركز الوطني للأمن السيبراني بوضع معايير وضوابط تهدف إلى حماية الأنظمة الرقمية من التهديدات السيبرانية، بجانب إقرار الإطار الوطني الأردني للأمن السيبراني لعام 2024، والذي يُعد إطارا شاملا موجها للجهات المتعاملة مع الوزارات والدوائر الحكومية.
يهدف هذا الإطار إلى ضمان التزام المؤسسات بتطبيق أفضل الممارسات العالمية. مع تطور الخدمات والمنصات الحكومية الرقمية التي تسهم في تبسيط حياة المواطنين، تأتي الحاجة إلى رفع مستوى الوعي الأمني للأفراد والمؤسسات لحماية البيانات الحساسة وضمان استمرارية الأعمال. شهد الأردن، في السنوات الأخيرة، زيادة ملحوظة في المبادرات الوطنية وبرامج التدريب التي تهدف إلى بناء قدرات الشباب والموظفين في مجال الأمن السيبراني، وهو ما يعد أمرا حيويا لمواكبة التهديدات الرقمية المتزايدة وتعزيز قدرة البلاد على التصدي للهجمات السيبرانية.
الهجمات السيبرانية
تشكل الهجمات السيبرانية تهديدا دائما يتطلب استجابة المؤسسة ومنهجية لمعالجتها بفعالية. التصدي المنهجي للحوادث الأمنية في مجال تقنية المعلومات يعزز الدفاعات الأمنية ويزيد من مرونة المؤسسات تجاه التهديدات المستقبلية. غالبًا ما تسعى المؤسسات إلى العودة السريعة للأعمال اليومية بعد وقوع الحوادث الأمنية لتخفيف الضغوط. ومع ذلك، فإن الأيام الأولى بعد الهجوم تعتبر فرصة حاسمة لتوثيق الدروس المستفادة بشكل منهجي. هذه الدروس تتيح للمؤسسات تعزيز إجراءاتها الدفاعية وتحسين استعدادها لمواجهة التهديدات المستقبلية. توفر الهجمات رؤى عميقة حول البنية التحتية الأمنية والإجراءات التشغيلية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تسلط الهجمات الضوء على أساليب المهاجمين، مما يمكن المؤسسات من استغلال هذه المعرفة لبناء دفاعات أقوى وأكثر مرونة. وفقا لتقرير IBM Security X-Force Threat Intelligence Index لعام 2024، شكلت منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا 7 % من الحوادث السيبرانية العالمية التي تعاملت معها فرق IBM X-Force في عام 2023.
تضمنت هذه الحوادث استخدام البرمجيات الضارة بنسبة 50 %، بالإضافة إلى هجمات الحرمان من الخدمات، والتصيد عبر البريد الإلكتروني، والوصول غير المصرح به إلى الخوادم، حيث شكل كل منها 17 % من الهجمات. على مستوى القطاعات، كان قطاعا المالية والتأمين الأكثر استهدافا بنسبة 38 %، تليهما قطاعات النقل والطاقة بنسبة 19 % لكل منهما، ثم القطاعات المهنية والاستهلاكية بنسبة 13 %. أما على مستوى الدول، فقد تصدرت السعودية القائمة بنسبة 40 % من الحوادث، تليها الإمارات العربية المتحدة بنسبة 30 %، ثم موريشيوس بنسبة 12 %.
تُبرز هذه الإحصاءات التحديات الكبيرة التي تواجهها المنطقة، مما يؤكد ضرورة تعزيز الدفاعات السيبرانية واعتماد استراتيجيات متقدمة لمواجهة التهديدات المتزايدة. مع ازدياد تعقيد الهجمات السيبرانية، تزداد أهمية الاستجابة الفورية. التعاون الإقليمي بين المؤسسات والحكومات، خصوصا في منطقة الشرق الأوسط، يمكن أن يوفر إطار عمل مشترك لمشاركة التهديدات وتنسيق الاستجابات. مثل هذه الجهود تعزز البنية التحتية الإقليمية، وتحسن الاستعداد المشترك للتصدي للتهديدات العابرة للحدود. على سبيل المثال، تُظهر الهجمات السيبرانية التي تستهدف المؤسسات العامة والخاصة في المنطقة مدى أهمية التصدي للهجمات السيبرانية واعتماد تقنيات متقدمة لتعزيز الدفاعات. من خلال تطوير استراتيجيات استجابة فعّالة وتكثيف التعاون بين المؤسسات، يمكن تحقيق حماية أكبر للأنظمة والبيانات الحساسة.
الدروس المستفادة
ومعالجة الفجوات
يمكن استخلاص الدروس المستفادة من ملاحظات الفرق المشاركة في الحوادث، تقارير إدارة الأزمات، والمراجعات الاستعادية المستوحاة من منهجيات إدارة المخاطر. كما أن تقارير مقدمي خدمات الاستجابة للحوادث تُعد مصدرا مهما للنتائج والتوصيات. تتضمن الخطوات الرئيسية لتوثيق وتحليل الهجمات توثيق النتائج الرئيسية أثناء وبعد معالجة الحادث مباشرة، وتنظيم البيانات لاستخلاص دروس مفيدة تعزز الأمن السيبراني، وأخيرا تكييف التحليل مع احتياجات فرق تقنية المعلومات، الإدارة العليا، أو الشركاء والعملاء. هذه العملية تضمن أن تكون التوصيات موجهة ومؤثرة، سواء لتعزيز الفرق الداخلية أو لطمأنة العملاء والشركاء حول سلامة البيانات واستمرارية الخدمات.
من ناحية أخرى، تكشف الهجمات السيبرانية عن نقاط ضعف قد تتطلب إجراءات سريعة لمعالجتها. يشمل ذلك تقديم برامج تدريبية موجهة لتحسين وعي الموظفين ومهاراتهم في مجال أمن المعلومات، بالإضافة إلى تحليل السياسات والإجراءات الضعيفة وتحديثها لضمان التزامها بالمعايير الأمنية. كما تشمل هذه الإجراءات تطبيق حلول فورية مثل المصادقة متعددة العوامل، تقليل الأذونات غير الضرورية، واستبدال الأنظمة القديمة، مما يسهم في تقوية دفاعات المؤسسات وزيادة جاهزيتها لمواجهة التهديدات المستقبلية.
التعليم والتوعية
بالإضافة إلى ذلك، يلعب التعليم والتوعية دورا أساسيا في تعزيز الأمن السيبراني داخل المؤسسات والمجتمعات. من خلال برامج تدريبية دورية وورش عمل موجهة، يمكن للمؤسسات رفع مستوى وعي الموظفين حول التهديدات السيبرانية وكيفية التصدي لها. تعزيز فهم الأساليب المستخدمة في الهجمات، مثل التصيد الاحتيالي والهندسة الاجتماعية، يُساعد على تقليل الأخطاء البشرية التي تعد السبب الرئيسي للعديد من الحوادث السيبرانية. إلى جانب ذلك، يجب إدماج مفاهيم الأمن السيبراني في المناهج الدراسية في المدارس والجامعات، مما يساعد على تعزيز ثقافة الأمن السيبراني منذ سن مبكرة وإعداد جيل واعٍ بمخاطر التهديدات الرقمية وكيفية التصدي لها. أما بالنسبة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الأردن، فهي بحاجة ماسة إلى حلول بسيطة وفعّالة من حيث التكلفة لتعزيز أمنها السيبراني. يمكن لهذه المؤسسات البدء بتطبيق إجراءات أساسية مثل استخدام المصادقة متعددة العوامل، تثبيت تحديثات البرامج بانتظام، والاعتماد على أدوات مفتوحة المصدر لمراقبة الأنظمة وتحليل التهديدات. بالإضافة إلى ذلك، يُنصح بالتعاون مع الجهات المحلية مثل المركز الوطني للأمن السيبراني للحصول على دعم تقني وتدريبي مخصص.
التركيز على بناء بيئة عمل مرنة للأمن السيبراني
لضمان المرونة أمام الهجمات السيبرانية، ينبغي للمؤسسات التركيز على تعزيز ثقافة الأمن السيبراني بين الموظفين من خلال دمج برامج تدريبية دورية لتحديث المعرفة بأحدث التهديدات وأساليب التصدي لها، وكذلك تطبيق سيناريوهات تمارين محاكاة تعزز الاستعداد العملي وتكشف عن نقاط الضعف غير المتوقعة. إضافة إلى ذلك، يجب دمج استراتيجيات الأمان في دورة حياة تطوير الأنظمة لضمان أن تكون الأنظمة آمنة منذ البداية، مما يقلل من الحاجة إلى التصحيح المستمر بعد إطلاقها.
منصات لإدارة وتحليل
ومشاركة معلومات
منصة OpenCTI هي منصة مفتوحة المصدر لإدارة وتحليل ومشاركة معلومات التهديدات السيبرانية، تمكّن المؤسسات من جمع بيانات التهديدات من مصادر متعددة، مثل مؤشرات الاختراق، وتحليلها لتحديد الأنماط وتعزيز الدفاعات السيبرانية. تساعد المنصة في تحليل البيانات وربطها لتقديم رؤية شاملة، وتعزيز التعاون مع الشركاء لرفع كفاءة الاستجابة، وربط المنصة بأنظمة كشف التسلل ومنصات إدارة الأحداث الأمنية.
منصة MISP هي منصة مفتوحة المصدر مصممة لتسهيل مشاركة وتحليل معلومات التهديدات السيبرانية. تساعد المؤسسات في جمع وتبادل مؤشرات الاختراق مثل العناوين الرقمية IP، أسماء النطاقات، وتوقيعات الملفات المشبوهة. توفر MISP ميزات رئيسية تشمل تخزين وتحليل وتنظيم معلومات التهديدات بشكل فعال، وتعزيز التعاون بين المؤسسات عبر تبادل البيانات حول الهجمات المحتملة، ودمج المعلومات مع أدوات الأمان مثل أنظمة إدارة معلومات الأمان والأحداث SIEM لتحسين الدفاعات.
مشاركة معلومات الأمن السيبراني
تلعب مشاركة معلومات الأمن السيبراني دورا حيويا في تعزيز الأمن السيبراني. تسهم منصات متخصصة مثل Malware Information Sharing Platform MISP وOpen Cyber Threat Intelligence OpenCTI في تسهيل تبادل المعلومات السيبرانية بين المؤسسات، مما يعزز قدراتها على الاستجابة السريعة للتهديدات. مثل هذه المنصات لا تساهم فقط في مشاركة المعلومات، بل تعزز التعاون الدولي والإقليمي لمواجهة التهديدات بشكل جماعي. تُعد جهود التعاون بين المؤسسات والشركاء المحليين والإقليميين أحد الركائز الأساسية لتعزيز الدفاعات الوطنية. يمكن إنشاء مجموعات عمل تشارك المعلومات حول التهديدات السيبرانية وإستراتيجيات التصدي لها، بما يتماشى مع إرشادات “المجلس الوطني للأمن السيبراني”. مثل هذه الجهود ترفع من مستوى الوعي الأمني الوطني وتعزز قدرة الأردن على مواجهة التهديدات السيبرانية المتزايدة.
تكامل الذكاء الاصطناعي
في الأمن السيبراني
يمثل الذكاء الاصطناعي أداة متقدمة لتحسين الدفاعات السيبرانية واستجابة المؤسسات للهجمات. يمكن لتقنيات التعلم الآلي تحليل كميات هائلة من البيانات للكشف عن الأنماط المشبوهة وتنبيه الفرق الأمنية بشكل استباقي. على سبيل المثال، يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي تحديد “السلوكيات غير العادية” في حركة البيانات، مما يساعد في اكتشاف التهديدات التي يصعب التعرف عليها بالطرق التقليدية. إلى جانب ذلك، يعزز الذكاء الاصطناعي قدرة المؤسسات على تحليل مؤشرات الاختراق والتفاعل مع تقنيات مثل منصات تبادل المعلومات الأمنية MISP وOpenCTI، مما يُسرع من اتخاذ القرارات وتقليل وقت الاستجابة للهجمات. مع التقدم في تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي، يصبح التعاون الإقليمي أكثر أهمية لضمان استجابة جماعية وفعّالة للهجمات المتطورة.
الخلاصة، ان تقييم الهجمات السيبرانية بشكل مستمر واكتشاف نقاط الضعف الداخلية يُعد من أهم الخطوات لتحسين الدفاعات. المؤسسات التي تسعى لتحليل الهجمات بشكل منهجي ومشاركة أفضل الممارسات تُعزز من مرونة بنيتها التحتية، مما يضمن استمرار الخدمات وبناء ثقة المستخدمين. الاستثمار في تحسين الأمن السيبراني ليس مجرد ضرورة لحماية الأنظمة، بل هو أيضا أساس لبناء مجتمع رقمي آمن ومستدام في مواجهة التحديات المتزايدة بثقة. تطوير الأمن السيبراني ليس مجرد مسؤولية تقنية بل هو استثمار استراتيجي يساهم في تحقيق الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية. المؤسسات التي تسعى إلى تحسين دفاعاتها بشكل مستمر وتحافظ على التعاون مع المجتمع الأمني الأوسع ستكون أكثر قدرة على مواجهة التحديات الرقمية في المستقبل. من خلال الالتزام بالتطوير المستمر للأمن السيبراني، يمكن للمؤسسات ليس فقط حماية أنظمتها بل أيضًا المساهمة في بناء بيئة رقمية آمنة ومستدامة على المستوى الوطني والإقليمي. المضي قدمًا يتطلب من الحكومات والمؤسسات تكثيف الجهود المشتركة لتعزيز الاستجابة الفورية والتنسيق الإقليمي، مما يساهم في بناء بنية تحتية رقمية قوية ومستدامة.