مما لا شك فيه أن مشروع قانون حماية البيانات الشخصية الذي أقر مؤخرا من مجلس النواب يلبي المتطلبات الدستورية التي كفلت الحق في الحياة الخاصة للأفراد والتي تعد البيانات الشخصية جزءا منها، كما يعتبر مشروع القانون أحد الإجراءات التشريعية التي يتوجب على الدول الأطراف القيام بها تحقيقا لالتزاماتها الدولية المترتبة عليها بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والذي كفل في المادة السابعة عشرة منه الحق لكل شخص في الخصوصية.
في الأردن وبالرغم من اتساع عمليات جمع البيانات الشخصية للأفراد من قبل جهات وقطاعات مختلفة ولأغراض متنوعة إلا أن المشرع بقي غائبا ولفترات طويلة عن توفير حماية قانونية متكاملة للبيانات الشخصية للأفراد ومعالجتها سواء ما يتعلق بعملية جمع البيانات أو تسجيلها أو نسخها أو حفظها أو تنظيمها أو استغلالها واستعمالها وغير ذلك من أطر المعالجة، بما في ذلك وضع قواعد لهذه العملية، وكنت قد أشرت في أكثر من مقال سابق تم نشرهم في صحيفة الغد الى هذا القصور التشريعي أحدهم بعنوان «حماية البيانات الشخصية للأفراد.. خطوة في الاتجاه الصحيح»، والآخر بعنوان»حماية البيانات الشخصية للأفراد في مواجهة المعلوماتية»، إضافة الى مقال حول «الحياة الخاصة للأفراد في ظل أزمة كورونا»، والتي كان الهدف منها تسليط الضوء على الخطورة الواقعية والقانونية الكامنة في ظل هذا الفراغ التشريعي الذي أفرز على أرض الواقع ممارسات شكلت مساسا بحق الأفراد في حماية بياناتهم الشخصية.
مشروع قانون حماية البيانات الشخصية لعام 2022م يشكل نقلة نوعية في توفير حماية متكاملة لهذه البيانات ومرة أخرى يشكل خطوة واستحقاقا قانونيا طال انتظاره تضمن التأكيد على حقوق الفرد الذي تتم معالجة بياناته وشروط عملية المعالجة والتزامات المسؤول عنها وشكل مجلسا لحماية البيانات الشخصية ووضع العقوبات في حال مخالفة بنود القانون وغير ذلك، إلا أنه وبالرغم من هذه الخطوة الإيجابية، إلا أن مشروع القانون أغفل للأسف وضع تنظيم قانون خاص بحماية البيانات الحساسة، التي أفرد لها المشرع تعريفا خاصا إلا أنه أخضعها للأحكام ذاتها التي تخضع لها معالجة البيانات الشخصية دون مراعاة إن هذه البيانات تستلزم حماية خاصة وأنها لا تخضع للمعالجة إلا في حالات محددة بنص القانون كما هو الحال في التشريعات المقارنة والممارسات الدولية الفضلى. وعلى جانب آخر حيث أن الاستثناءات المتعلقة بعدم الحصول على الموافقة المسبقة للأفراد أو إعلام الشخص المعني بعملية المعالجة في حالات محددة تعد من المسائل الجوهرية كان من الأجدى أن تبقى هذه الحالات محددة حصرا في متن القانون ذاته دون الإحالة إلى أي نظام آخر بهذا الصدد.
المصدر الغد