حينما تصبح الظروف المناخية أكثر تطرفا، يصعب على بعض الناس ممارسة أعمالهم أو حياتهم بشكل طبيعي، غير أن خدمات الاتصالات والتكنولوجيا باتت تلعب دورا مهما في التخفيف عليهم، مع ضمان سير الأعمال بالشكل المطلوب.
وبينما تشهد المملكة ارتفاعا قياسيا بدرجات الحرارة خلال هذه الأيام، تصبح الحاجة أكثر لاستخدام مفاهيم العمل عن بعد والتعلم عن بعد، على غرار ما حدث بما يسمى بـ”جائحة كورونا”.
ويؤكد خبراء، أن العديد من التقنيات والتطبيقات التي يمكن استخدامها اليوم لتطبيق مفاهيم العمل عن بعد والتعلم عن بعد، مثل البريد الإلكتروني وتطبيقات الاجتماعات المرئية والأنظمة الإلكترونية لمختلف الشركات والمؤسسات بالاعتماد على البنية التحتية للاتصالات في المملكة والتي تتنوع بين شبكات سلكية ولاسلكية، يعتمد عليها نحو أحد عشر مليون مستخدم للإنترنت، منهم سبعة ملايين ونصف المليون مستخدم للهواتف المتنقلة.
وبين الخبراء، أن الكثير من الفوائد يمكن جنيها من تطبيق مفاهيم العمل عن بعد في مثل هذه الظروف، ومنها ما يرتبط بالصحة والسلامة للناس، والمرونة في العمل وساعاته، والتقليل من الإجهاد الصحي والنفسي على الموظف والتقليل من الازدحامات المرورية وتوفير الطاقة وزيادة الإنتاجية وغيرها من الفوائد.
بيد أن الخبراء يشيرون إلى أن ثمة مشاكل وصعوبات يمكن أن تظهر في تطبيق مفاهيم العمل عن بعد والتعلم عن بعد، أكثرها يرتبط بمخاطر الأمن السيبراني، ومع زيادة الاعتماد على الانترنت والتقنيات الحديثة والتطبيقات الذكية بشكل كثيف في وقت واحد، فهذا يحفز المقرصنين و”الهاكرز” على ابتكار طرق جديدة للاختراق، مستغلين كثافة الاستخدام وقلة وعي الموظفين العاملين عن بعد في الاحتياط واستخدام الأساليب الأكثر أمنا في الاتصال مع المؤسسة.
وفيما يستمر تأثير الكتلة الحارة على المملكة لليوم الثالث على التوالي، وعقب التحذيرات المتوالية من الأخطار المرتبطة بها، اتخذت مؤسسات حكومية وخاصة، وجامعات عدة، إجراءات احترازية، وبدأت بتطبيق مفاهيم التعلم عن بعد والعمل عن بعد حفاظا على صحة العاملين والمواطنين.
ويرى مدير مركز ضمان الجودة والاعتماد في جامعة الأميرة سمية للتكنولوجيا، الأستاذ المساعد مهنا مهنا، أن التكنولوجيا في عصرنا الحالي أصبحت تشكل “ملاذًا صحيًا وخيارًا أساسيًا” يمكن للمسؤولين الاستفادة منه في اتخاذ قراراتهم، خصوصًا فيما يتعلق بسياسات العمل وإدارة الموظفين أثناء التحديات التي تفرضها الظروف الجوية القاسية، مثل ارتفاع درجات الحرارة الشديدة في الصيف أو التساقط الكثيف للثلوج في الشتاء.
وقال مهنا “العمل عن بعد هو “أداة حيوية” تساعد على تخطي هذه التحديات بنجاح ومرونة، لأنه يتيح للشركات والمؤسسات الاستمرار في تقديم خدماتها وإنجاز مهامها دون توقف، ويحافظ على سلامة وصحة العاملين والمراجعين والزبائن والطلبة أثناء الانتقال من وإلى أماكن العمل والدراسة، الى جانب الدور الذي يلعبه في تقليل الازدحامات والحوادث المرورية والمخاطر الصحية المحتملة، وتقليل وقت التعطل”.
وأشار مهنا الى أن العديد من الدراسات البحثية التي جرت بعد الحالة الاستثنائية التي تعرض لها العالم أثناء جائحة كورونا، قد أثبتت أن فوائد استثمار التكنولوجيا والعمل عن بعد لا تقتصر على الظروف الاستثنائية فحسب، بل صار العمل عن بعد أساساً للعديد من الشركات والمؤسسات، لأنه يضمن أيضاً مرونة العمل ويتيح للمؤسسات توظيف كفاءات ومواهب من جميع أنحاء العالم دون قيود جغرافية، ما يوفر أيضا من النفقات المتعلقة بالبنية التحتية والصيانة المكتبية.
وقال “إن العمل عن بعد ليس مجرد تفاصيل تنظيمية أو تكنولوجية، بل يتجاوز ذلك ليصبح أداة قوية للتأثير الإيجابي على مختلف جوانب الحياة البيئية والاقتصادية والمجتمعية”.
بيد أن الاستشاري التقني الاستراتيجي م.هاني محمود البطش، يرى أن ثمة تحديات وصعوبات في تطبيق مفاهيم العمل عن بعد والتعلم عن بعد، مبينا أنه من الصعب العمل عن بعد إذا لم يكن الموظفون مجهزين بالتكنولوجيا المناسبة، كما قد يكون من الصعب التواصل مع الموظفين الذين يعملون عن بعد، خاصة إذا كانوا في مناطق زمنية مختلفة.
وبين أن الوظائف الملائمة للعمل عن بعد هي الوظائف ذات طبيعة قابلة للتجزئة، أو القابلة للأتمتة، أو تلك التي تتطلب مدخلات محددة يتم التعامل معها وفق أنظمة إلكترونية.
ولفت الى أهمية التأكد من توفير التجهيزات التقنية للموظفين كافة العاملين لديها (مثل: Skype for Business, VPN, etc.، MS Teams، ZOOM أو أي وسائل أخرى متاحة)، وتوفير التجهيزات التقنية لعقد الاجتماعات الدورية ومتابعة الإنجاز الكترونيا، وللوصول الى الأنظمة الالكترونية الرئيسة والفرعية الخاصة بتأدية الأعمال في الجهة، مثل أنظمة خدمة المتعاملين وغيرها من أجل إتمام أداء المهام والمسؤوليات المناطة بهم ومتابعة الإنجاز.
وقال “من المهم أن تضع الشركات هذه التحديات في الاعتبار عند وضع خطط للعمل عن بعد في ظروف الطقس المتطرف (شديدة الحرارة أو قليلة البرودة)، من خلال التخطيط الجيد، يمكن للشركات والمؤسسات الاستفادة من مزايا العمل عن بعد مع تقليل التحديات”.
ورغم إقراره بأن العمل عبر الإنترنت خلال الأجواء التي تسودها درجات الحرارة المرتفعة يعد “مفيدا” لكل أطراف المعادلة في جوانب عدة على رأسها الصحة والسلامة، إلا أن الخبير في مجال الاتصالات والتقنية وصفي الصفدي، أكد أن ثمة “تهديدات سيبرانية” ترتبط بالعمل عبر الإنترنت “عن بعد” ومنها؛ خرق البيانات والوصول غير المصرح به إلى المعلومات الحساسة، وهجمات التصيد مثل رسائل بريد إلكتروني مخادعة لخداع المستخدمين للكشف عن معلومات شخصية أو بيانات خاصة بالشركة أو كلمات سر وغيرها من هجمات التصيد التي تستهدف الشركة.
وبين أن من المخاطر المرتبطة بالعمل عن بعد إمكانية الإصابة بالبرامج الضارة والفيروسات وبرامج الفدية والبرامج الضارة الأخرى التي يمكن أن تصيب الأجهزة نتيجة ممارسات خاطئة وعدم تفعيل الحماية الكافية على الموصلات الخارجية مثل “يو اس بي”، لافتا الى مخاطر مرتبطة بالاتصال بشبكة Wi-Fi غير آمنة والتي تحتوي على ثغرات أمنية في شبكات Wi-Fi العامة أو غير الآمنة.
وأكد خطورة كلمات المرور الضعيفة والتهديدات الداخلية، مثل الإجراءات والممارسات الضارة من قبل الموظفين أو الأفراد الذين لديهم إمكانية الوصول، والافتقار إلى أمان اتصال الأجهزة من الخارج، وضعف الحماية في خدمات التخزين السحابي والخدمات والمقدمة من قبل مزدوي الخدمة، وعدم توفر طرق حماية عالية الجودة، وخطورة برامج أو خدمات تكنولوجيا معلومات غير مصرح بها مستخدمة دون موافقة قسم تكنولوجيا المعلومات في المؤسسة.
وفي المقابل، تحدث الصفدي عن مجموعة كبيرة من فوائد استخدام مفاهيم العمل عن بعد، مثل توفيره قدرا أكبر من المرونة في اختيار ساعات العمل، وتمكين الموظف من ضبط جدوله الزمني للعمل خلال الفترات الباردة من اليوم، وأخذ فترات راحة عندما تكون الحرارة شديدة.
وقال “إنه من خلال العمل عن بعد، فالموظف يتجنب الحاجة إلى التنقل في درجات الحرارة الحارقة، والتي يمكن أن تكون مرهقة جسديا وعقليا”.
وأكد أهمية العمل عن بعد في مثل هذه الحالات في “توفير الطاقة”، من خلال تقليل الممارسات كثيفة الاستهلاك للطاقة، ما يعزز الاستدامة.
وقال إن تطبيق مفهوم العمل عن بعد يسهم في زيادة الإنتاجية، لأن البيئة المريحة والخاضعة للسيطرة تزيد التركيز والإنتاجية، وتقلل احتمالية تشتيت الانتبه بسبب الانزعاج الناجم عن ارتفاع درجات الحرارة.
وقال “يجب ألا ننسى أيضا أن العمل عن بعد يخفف من إصابات العمل، وبالتالي تقليل الكلف على شركات الضمان، وأيضا شركات التأمين الصحي، عدا عن استدامة العمل بتجنب الأخطار الناجمة عن مثل تلك التغييرات المناخية”.
وعن أبرز التطبيقات التي يمكن الاعتماد عليها في تطبيق مفاهيم العمل عن بعد، بين الصفدي أنها تشمل كل شيء يستخدم حاليا داخل الشركة يمكن استخدامه من خلال توفير شبكة افتراضية للشركة مع كلمات مرور مشفرة لضمان الولوج الى أنظمة الشركة الرئيسية من دون أي اختلاف عن وجوده داخل الشركة.
وأشار الى أنها تشمل: تطبيقات الايميل، المالية، الموارد البشرية، أنظمة الشركة الخاصة مثل خدمات المشتركين والفوترة والمبيعات، وغيرها، إضافة الى “زووم”، “لينك”، “جوجل ميت”، وغيرها من التطبيقات الأخرى المخصصة للشركة.
وقالت مسؤولة الإعلام والتسويق في المركز الوطني للأمن السيبراني د.وعد المعايطة “إن العمل من المنزل أو من أي موقع آخر بعيد عن المكان الرئيسي للعمل هو التوجه الحديث عالميا، وهذا يمكّن الشركات من أن تصبح أكثر مرونة وأنماط عمل تصبح أكثر مرونة أيضا”.
ولفتت الى أنه نظرا لأن العمل عن بعد يتطلب عادة الوصول إلى نظام المؤسسة أو الشركة من مواقع بعيدة، فمن الضروري حمايته من الوصول غير المرغوب فيه عن طريق تطبيق إجراءات تضمن أنه آمن في جميع الأوقات.
وقدمت المعايطة مجموعة من النصائح لحماية المؤسسة والموظف من مخاطر الاختراق المرتبطة بالعمل عن بعد، منها التأكد من العمل على شبكة إنترنت آمنة، بما في ذلك جدار حماية فعال لمنع الاتصالات غير المرغوب فيها، وتقييد الوصول المادي والإلكتروني غير المصرح به إلى جدار الحماية وموجه VPN وحسابات المشرف والخوادم.
وأشارت الى أهمية تأكد المؤسسة من أن جميع المستخدمين لديهم كلمات مرور قوية، ولا يقومون بمشاركتها مع أي شخص آخر أو تخزينها في مكان يمكن الوصول إليه، والتأكد من أن الموظفين الذين لديهم وصول عن بعد لا يخزنون تفاصيل تسجيل الدخول الخاصة بهم على أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم أو الأجهزة الأخرى، وتوجيه الموظفين لعدم تخزين معلومات الشركة الحساسة على أجهزة الحاسوب العامة أو الأجهزة المحمولة الشخصية.
ومن جانبه، قال رئيس لجنة مركز رواد الأعمال المهندسين في نقابة المهندسين الأردنيين “رام” المهندس معتز العطين “للتكنولوجيا فعالية عالية ومهمة في الأزمات والأوقات الحرجة التي تتعرض لها الدول في مختلف بقاع الأرض”، لافتا الى أن وجودها يشكل أداة مهمة في التسهيل على الناس، وخاصة فيما يتعلق بالعمل والدراسة عن بعد، لأن مثل هذا الأسلوب في العمل والإدارة أثبت جدارته وفعاليته في أزمة كورونا التي أسهمت، دون شك، في وتيرة التحول الرقمي.
وبين أن التكنولوجيا تسهم في الأزمات بالتخفيف على الطلبة أو العمال من الوصول لمدارسهم أو جامعاتهم وأعمالهم بشكل أكبر، ويعزز من عدالة وصول الجميع الى المعرفة أو العمل حتى لو حالت الأزمات دون ذلك.
وفي مجال التعلم عن بعد، قال العطين “يمكننا اليوم تقديم أساليب وأدوات تعليمية جديدة مثل الواقع الافتراضي VR والواقع المعزز AR الذي يساعد بشكل كبير على إطلاق العنان للإبداع والابتكار، باعتباره أداة تعليمية ممتعة ومحفزة للتفاعل والاندماج داخل الغرف الصفية الافتراضية وزيادة قدرات الأفراد والمعلمين على التفاعل بصورة كبيرة وأداء مميز”.
وأضاف العطين “التكنولوجيا تثبت دوما فعاليتها في الأزمات”، مشيرا الى أزمة كورونا والتحول الرقمي الذي طبقته المؤسسات والشركات المختلفة بدءا من التعليم والعمل عن بعد والمعاملات المالية الرقمية المختلفة التي تسارع التفاعل معها وزاد من موثوقية التعامل معها، عدا عن استخدام بعض أنواع التكنولوجيا في خدمات الرعاية الصحية وقتها.
المصدر الغد