في عصر يشهد سباقا عالميا نحو الابتكار الرقمي، يظهر الذكاء الاصطناعي AI – Artificial Intelligence وحوكمة البيانات Data Governance، كركيزتين أساسيتين لتحقيق الكفاءة والتنمية المستدامة. تتسابق الدول لتبني هذه التقنيات، ليس فقط لتحسين الإنتاجية، بل لضمان التقدم الاقتصادي والاجتماعي. فكيف يمكن لهذه الأدوات أن تعيد تشكيل العالم من حولنا؟
• الأردن.. خطوات نحو الريادة
في الأردن، تم اتخاذ خطوات مهمة لتنظيم حماية البيانات الشخصية وتطوير استخدام الذكاء الاصطناعي في القطاع المالي. أصدر قانون حماية البيانات الشخصية رقم 24 لسنة 2023 بتاريخ 17 أيلول (سبتمبر) العام الماضي. تلتزم جميع الجهات التي تتعامل بالبيانات بتوفيق أوضاعها خلال عام واحد ينتهي في 16 آذار (مارس) العام المقبل. يهدف هذا القانون إلى حماية خصوصية الأفراد وتنظيم معالجة بياناتهم الشخصية.
كما أقر مجلس الوزراء الأردني الاستراتيجية الأردنية للذكاء الاصطناعي (2023-2027) بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي والهيئات الدولية الأخرى. تتضمن الخطة التنفيذية 68 مشروعا على مدار 5 سنوات، وتهدف إلى جعل الأردن مركزا إقليميا للذكاء الاصطناعي من خلال تعزيز القدرات التكنولوجية والبنية التحتية الرقمية.
• السعودية.. رؤية طموحة للذكاء الاصطناعي
تسعى السعودية إلى تحقيق
12.4 % من الناتج المحلي الإجمالي من خلال الذكاء الاصطناعي بحلول العام 2030، مما يعادل أكثر من 135 مليار دولار. تعمل الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي SDAIA، على تطوير استراتيجية وطنية تهدف إلى جعل المملكة من الدول الرائدة عالميا في هذا المجال. تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي في السعودية لمكافحة الاحتيال، إدارة المخاطر وتحليل البيانات. كما تم إطلاق “قانون حماية البيانات الشخصية”، لضمان خصوصية الأفراد والامتثال المعايير الدولية.
• قطر.. مركز عالمي للذكاء الاصطناعي
أطلقت قطر استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي تهدف إلى تحويلها إلى مركز عالمي في هذا المجال. تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين إدارة المخاطر، تعزيز الامتثال التنظيمي، وتحليل البيانات لتقديم خدمات مالية أكثر كفاءة. إضافة إلى ذلك، أصدرت قطر قوانين لحماية البيانات، مما يعكس التزامها ببناء منظومة رقمية آمنة.
• الإمارات.. الريادة الإقليمية
تعتبر الإمارات من رواد تبني الذكاء الاصطناعي في المنطقة. أطلقت الحكومة وزارة مختصة بالذكاء الاصطناعي، واستراتيجية وطنية تهدف إلى تحقيق الريادة بحلول العام 2031. تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع في الإمارات، حيث يتم توظيفها في اكتشاف الاحتيال، تقييم المخاطر، وأتمتة العمليات مع تعزيز البيئة الرقمية الآمنة عبر قوانين حماية البيانات.
1. الاتجاهات العالمية: تداخل الجهود الإقليمية والعالمية
بينما تبذل دول مثل الأردن، السعودية، قطر والإمارات جهودا بارزة لتطوير استراتيجياتها في مجال الذكاء الاصطناعي وحوكمة البيانات، فإن هذه الجهود تتماشى مع الاتجاهات العالمية التي تقودها دول مثل الولايات المتحدة الصين وألمانيا. على سبيل المثال:
• تعتمد الولايات المتحدة على أطر تنظيمية مثل “إطار عمل الذكاء الاصطناعي المسؤول”، لدعم الاستخدام الأخلاقي.
• تسعى الصين إلى تطبيق الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع، في الصناعات التحويلية والخدمات المالية.
• تعمل الهيئات الأوروبية، مثل الاتحاد الأوروبي، على وضع معايير شاملة تتعلق بحوكمة البيانات والاستخدام الآمن للذكاء الاصطناعي.
هذا التداخل بين الجهود الإقليمية والعالمية يظهر أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد مبادرة وطنية، بل هو جزء من حركة عالمية تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة عبر تقنيات مبتكرة.
2. أهمية الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد
يعد الذكاء الاصطناعي أحد المواضيع الرئيسية في مستقبل الاقتصاد. يرى الخبراء أن الذكاء الاصطناعي سيتفوق على البشر في العديد من المهام الإدراكية خلال السنوات المقبلة. حتى أن إيلون ماسك توقع أن تتجاوز الأنظمة الحاسوبية قدرات الدماغ البشري بحلول العام المقبل. ورغم أن هذه الرؤى قد تبدو مبالغة، إلا أن دور الذكاء الاصطناعي لا يمكن إنكاره في تسريع العمليات وتحسين الكفاءة.
3. البيانات الضخمة، الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي
يتفق العديد من الخبراء التقنيين على أن البيانات الضخمة Big Data – BD ومعالجة البيانات الآلية باستخدام الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence – AI و/أو التعلم الآلي Machine Learning – ML، المفاتيح الرئيسة للتحول الرقمي في معظم الصناعات تقريبا. وحتى في القطاع المالي، هناك سيناريوهات تطبيقية لا يمكن تصورها من دون تقنيات BDAI/ML.
بشكل مبسط، تم تعريف الذكاء الاصطناعي من قبل الخبراء التقنيين، على أنه مزيج من البيانات الضخمة، الموارد الحاسوبية والتعلم الآلي. ومع ذلك، لا توفر هذه التعريفات تمييزا عالميًا واضحا بين أساليب BDAI/ML والأساليب الأخرى. في الواقع، عند فحص أسلوب معين، يجب على الممارسات الإشرافية، تقنيات الفحص، وشدة الفحص أن تأخذ في الاعتبار خصائص BDAI/ML، ومدى وضوح هذه الخصائص. وبالتالي لا توجد حدود فاصلة تماما بين الأساليب، وقد يظهر بعض التداخل فيما بينها.
4. تصنيف خصائص BDAI/ML
يمكن تصنيف الخصائص في ثلاثة أبعاد لسيناريو BDAI/ML:
• المنهجية والأساس البياني: تصف تعقيد العملية ومخاطر النماذج المرتبطة بعملية BDAI/ML.
• استخدام المخرجات: يتعلق بأهمية العملية ضمن إدارة المخاطر في المؤسسة الخاضعة للإشراف.
• البعد الثالث: يتعلق بالتمييز العام بين التطوير الداخلي والاعتماد على الموردين الخارجيين والبنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات.
5. استخدامات BDAI/ML في القطاع المالي
في قطاعي البنوك والتأمين، تستخدم تقنيات BDAI/ML عادة لمكافحة غسيل الأموال والكشف عن الاحتيال، وأيضًا في العمليات الخلفية (مثل معالجة البيانات بطريقة “الصندوق الأسود” في قطاع التأمين). تستخدم أيضا في التقييم، التسعير (بما في ذلك الأسعار المبنية على التليماتية)، ودعم المبيعات.
في مجال إدارة المخاطر، يتم استخدام BDAI/ML، بشكل متزايد لتحضير البيانات والتحقق من نماذج المخاطر. أما في صناعة الأوراق المالية، التي تتميز بالفعل بمستوى عال من الأتمتة، فيستخدم BDAI/ML، أساسا لتحسين العمليات القائمة في التداول، الاستشارات، إدارة المخاطر، والامتثال.
6. مبادئ لاستخدام الخوارزميات
تشترك الدول المذكورة أعلاه في تحديد مبادئ عامة لاستخدام الخوارزميات، مع التركيز على الخوارزميات في مجال BDAI/ML. حيث تناولت المبادئ الأساسية مثل تحمل المسؤولية الإدارية الواضحة، وكذلك المبادئ المحددة لمرحلتي التطوير والتطبيق لتطبيقات BDAI/ML.
على سبيل المثال، تجب مراعاة استراتيجية البيانات، حوكمة البيانات وتنفيذ عمليات تحقق ملائمة خلال مرحلة التطوير. أما في مرحلة التطبيق، فيجب تنفيذ عمليات الموافقة العميقة وآليات التغذية الراجعة.
مع استمرار تطور تقنيات BDAI/ML، أصبحت هذه الأدوات أساسية لتحسين الكفاءة ودعم العمليات التنظيمية في القطاع المالي. ومع ذلك، من الضروري تطبيق مبادئ الحوكمة الصارمة لضمان الاستخدام المسؤول والفعال لهذه التقنيات.
7. دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز كفاءة إدارة الأصول
يشهد قطاع إدارة الأصول تطورا ملحوظا بفضل تطبيقات الذكاء الاصطناعي AI، حيث أصبحت الحاجة إلى أدوات ذكية قادرة على تحليل البيانات الضخمة والامتثال للمتطلبات التنظيمية أكثر إلحاحا من أي وقت مضى. يمكن للبرامج الحاسوبية الذكية تحسين إدارة العمليات الاستثمارية وإدارة الصناديق بشكل كبير، خاصة في الأنشطة القائمة على البيانات، مما يوفر تكاملا يحقق كفاءة عالية.
8. الكفاءة وتقليل الأخطاء
الأنظمة الذكية تحسن الكفاءة بشكل كبير عبر:
• تسريع العمليات التقليدية مثل، حساب أسعار الصناديق.
• تقليل الأخطاء البشرية في المهام المعقدة مثل، مراجعة العقود والمعاملات العقارية.
• تقديم رؤى وتحليلات فورية تدعم اتخاذ قرارات مستنيرة.
9. التحديات والحلول
رغم الفوائد العديدة، ما تزال هناك تحديات، أبرزها جودة البيانات وضرورة تدريب الأنظمة للتعامل مع سيناريوهات واقعية. من هنا، تأتي أهمية مشاريع إثبات المفهوم Proof of Concept (POC)، التي تتيح للشركات اختبار الذكاء الاصطناعي قبل اعتماده بشكل شامل. كما يجب على المؤسسات بناء خبرات داخلية، وعدم الاعتماد الكامل على مزودي الخدمات الخارجيين. التعاون بين فرق تكنولوجيا المعلومات، وإدارة المخاطر، الإدارات التشغيلية يعد عنصرا أساسيا لضمان نجاح تطبيقات الذكاء الاصطناعي. مع استمرار تطور الذكاء الاصطناعي، سيصبح دوره في إدارة الأصول أكثر أهمية. ومع ذلك، يبقى العامل البشري محورا رئيسيا لضمان نجاح التكنولوجيا في القطاع المالي. بتبني الذكاء الاصطناعي بعناية وبعد نظر، يمكن لقطاع إدارة الأصول أن يكون نموذجا يحتذى به، مما يمهد الطريق لمستقبل مليء بالابتكار والكفاءة والنمو المستدام.
10. التطبيقات في إدارة الأصول
منذ إدراج الهيئة الرقابقة الدولية في دول أوروبية عدة، موضوع الذكاء الاصطناعي AI – Artificial Intelligence ضمن أجندتها العام 2018، ازدادت استخداماته بشكل كبير في مختلف مجالات إدارة الأصول. وتشمل التطبيقات:
• إدارة المحافظ الاستثمارية: تحليل البيانات الكبيرة باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، لتطوير استراتيجيات استثمار أكثر دقة.
• الامتثال للمعايير: ضمان التزام الصناديق الموجهة نحو البيئة والمجتمع والحوكمة بالمعايير المحددة.
• تحسين العمليات التشغيلية: أتمتة المهام الروتينية مثل، إعداد التقارير المالية ومراجعة العقود.
• إدارة المخاطر: تعزيز قدرة المؤسسات على تحديد وإدارة المخاطر بفاعلية.
بينما نعيش في عالم يتسارع فيه التطور التكنولوجي، يبقى الذكاء الاصطناعي AI – Artificial Intelligence وحوكمة البيانات Data Governance من الأدوات التي لا غنى عنها لرسم ملامح المستقبل. الاستثمار في هذه التقنيات يعني الاستثمار في مستقبل أكثر كفاءة واستدامة. ومع ذلك، فإن نجاح هذه الثورة الرقمية يعتمد على التوازن بين الابتكار والمسؤولية، لضمان أن تبقى المعايير الأخلاقية والمبادئ التنظيمية هي الأساس الموجه لكل تقدم.
المصدر الغد