أوضح تقرير حالة البلاد الذي أعده المجلس الاقتصادي والاجتماعي، أخيرا، في ما يتعلق بجزئية العمل، أن بنية سوق العمل وخاصة العلاقة بين أصحاب العمل والعمال، بدأت بالتغير باتجاه الاستفادة من المنصات الرقمية، حيث توفر التكنولوجيا مرونة في العمل، وتلعب دورا في توفير فرص العمل للعديد من الفئات، خاصة الإناث.

وقال التقرير إن المهارات المطلوبة للقطاع الخاص تشهد تحولا كبيرا باتجاه استخدام التكنولوجيا الرقمية في الصناعة حتى في القطاعات التقليدية كالزراعة، مشيرا إلى سوق العمل الأردني يشمل عددا كبيرا من العمالة الوافدة أو غير الأردنيين، سواء نتيجة لهجرة العمال التقليديين، أو بسبب وجود اللاجئين السوريين.

وبين أنه “بالرغم من قدرة العمالة الوافدة على التكيف مع المتطلبات الرقمية، إلا أن الثورة الصناعية الرابعة قد توفر بدائل وحلولا تكنولوجية، كالحد من الطلب على العمالة الوافدة”، مؤكدا وجود فجوة بين العرض والطلب كبيرة، وخاصة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل.

وتعليقا على ما ورد في التقرير، رأى رئيس بيت العمال حمادة أبو نجمة أن هناك تحولات سريعة بدأت منذ سنوات على طبيعة الأعمال، في الأردن كما في دول العالم قاطبة، أدت إلى نشوء أنماط عمل جديدة تتسم بالمرونة والتنوع لتحقق استجابة أفضل لمتطلبات سوق العمل، ولتتناسب مع ظروف العاملين وأصحاب العمل، خاصة العاملين الذين عانوا فترات طويلة من البطالة وعدم الحصول على فرص عمل مجدية، الأمر الذي أدى إلى اتساع حجم الاقتصاد غير المنظم.

وبين أبو نجمة أن المنصات أوجدت فرصاً غير مسبوقة للعمال والشركات والمجتمع في مجال الابتكار والإبداع، لكنها شكلت في الوقت نفسه تهديدات خطيرة في مجال شروط العمل اللائق، فالنمو السريع للاقتصاد الرقمي قدم فرصا للعمال والشركات بصورة واعدة وغير مسبوقة، لكنه في الوقت نفسه فرض عليهم وعلى الدولة العديد من التحديات، خاصة في إيجاد التشريعات الناظمة لهذه الأنواع من الأعمال، من حيث توفير فرص العمل اللائق من ناحية، وتعزيز نمو الأعمال بشكل فعال من ناحية أخرى.

وقال إن ذلك يتطلب استجابة سياسية وتشريعية سريعة ومدروسة، ومبنية على حوار وطني وتشاور بين جميع الأطراف المعنية.

وبين أن العمل من خلال المنصات الرقمية نوعان؛ نوع يتم من خلال المنصات المستندة إلى الشبكة العنكبوتية، حيث يقوم العامل بتنفيذ المهام عبر الإنترنت عن بعد، والآخر يتمثل بالأنظمة القائمة على أداء العمل في مواقع خارجية محددة، مثل سائقي سيارات الأجرة وعمال التوصيل.

وأشار إلى أنه نتيجة لعدم الاعتراف بشمول العاملين في معظم هذه الأنواع من العمل بصفة العامل، وعدم إخضاعهم لقانون العمل، يواجه عمال المنصات الرقمية في الغالب ظروف عمل صعبة وغير عادلة، خاصة في غياب الحماية الاجتماعية، وانخفاض الدخل، وساعات العمل الطويلة، إضافة إلى الفجوة في الأجور بين الجنسين التي تمت ملاحظتها في العديد من الحالات.

ولفت أبو نجمة إلى أنه من المعروف أن في الأردن خللا هيكليا في طبيعة تخصصات الباحثين عن العمل، الذين يمثل الجامعيون منهم حصة كبيرة، لكنهم للأسف يحملون مؤهلات في الغالب غير مطلوبة في سوق العمل، معظمها تخصصات إنسانية ونظرية، نتيجة تركيز معظم الجامعات المحلية على هذه التخصصات لانخفاض كلف متطلباتها، بينما ما يزال التوجه نحو التخصصات التقنية والتكنولوجية محدودا ولا يلبي احتياجات السوق ومتطلبات التغير السريع على طبيعة الأعمال محليا ودوليا.

وأوضح أن هذا أمر يقلص كثيرا من إمكانية الاستفادة من التكنولوجيا في توفير فرص عمل بشروط لائقة ودخل مجز، وبالتالي نجد أن التوسع في المجال الرقمي يتجه أكثر نحو الأعمال التي لا تتطلب مؤهلات متخصصة، خاصة أعمال التوصيل وقيادة سيارات الأجرة.

وقال إن القائمين على المنصات الرقمية يضعون شروط الخدمة من جانب أحادي، وتتصف عقود العمل في هذه الأنواع من العمل بأنها “عقود إذعان، لا يملك العامل فيها أي خيار، فإما أن يقبل بشروطها كما هي أو يفقد فرصة الحصول على الوظيفة، وتتسم الشروط التعاقدية بأنها لا تلتزم بتشريعات العمل، وبالالتفاف على حقوق العاملين بدعوى أنهم لا تنطبق عليهم صفة العمال، رغم أن طبيعة عملهم تتوفر فيها كافة شروط وعناصر عقد العمل وصفة العامل، وفقا لقانون العمل، ووفقاً لمعايير العمل الدولية”.

وأضاف أن القائمين على المنصات، أيضا، ينكرون بشدة وجود أي علاقة عمل مع العاملين الذين يتعاقدون معهم، في وقت يمثل حصول العمال على صفة العامل بوابة للحصول على مظلة من الحقوق والحمايات، في قانوني العمل والضمان الاجتماعي، الذين حرموا منها نتيجة عدم وجود سياسة حكومية واضحة لحسم الأمر وفرض تطبيق القانون على هذه الأعمال.

بدوره، قال مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، أحمد عوض: “من واقع دراسات حول هذا الموضوع، تبين أن المنصات الرقمية لديها فرص غنية جدا لتوفير المزيد من فرص العمل، في مختلف المجالات”.

وبين عوض أن التقنيات الحديثة بشكل عام تخلق فرصا للتشغيل بشكل أكبر، لأنها تحدث إنتاجية، وتتوفر على مرونة في الوقت لدى الرجال والنساء.

وأضاف: “أعتقد أنه لكي نفعل هذا المسار، فإن المطلوب تحقيق عدة نقاط، منها أولا أن توفر الحكومة مزيدا من تنظيم العمل عبر المنصات الرقمية، خاصة أنه توجد في الأردن عشرات المنصات، جزء منها محلية وأخرى خارجية، وبعضها ذو علاقة بالنقل، وقطاع التوصيل، والترجمة، وجزء يختص بقطاع البرمجة والمحاسبة المالية”.

وأشار إلى أن تلك المنصات تعمل لشبك السوق الأردنية مع نظيرتها العالمية، وهناك آلاف الأردنيين والأردنيات الذين يعملون في هذه القطاعات.

وبين أن المطلوب مزيد من التنظيم، في ظل وجود كثير من العاملين والعاملات الخاضعين “لعقود إذعان”، خاصة الذين يشتغلون في المنصات الإلكترونية المتعلقة بنقل الركاب والبضائع وما يماثلهما.

وأكد عدم وجود معايير لضمان شروط عمل لائقة لهؤلاء العاملين، على الرغم من أنهم يعتبرون عمالا، سواء بالمنظور المحلي أو العالمي، ووفق معايير منظمة العمل الدولية هم عمال، سواء كانوا يعملون بدوام كامل أو جزئي.

وطالب بإجراء تعديلات على بعض التشريعات للاعتراف بهم عمالا، وتمكينهم من الاندماج في الضمان الاجتماعي، وتوفير حد أدنى من معايير العمل اللائق المنصوص عليه في التشريعات الأردنية وقانون العمل، وقانون الضمان الاجتماعي، والأنظمة والتعليمات.

المصدرالغد