وسط تنامي القلق من اتساع الفجوة بين المهارات التي يتعلمها الصغار والشباب وبين احتياجات سوق العمل، يتوجه أصحاب أفكار ريادية للاستثمار في قطاع ” تكنولوجيا التعليم” باعتباره من بين القطاعات الأكثر قابلية للنمو مستقبلا وبيئة خصبة للمشاريع ذات الجدوى والاستدامة.
ويمكن تعريف ” تكنولوجيا التعليم” أو بالانجليزية ” Educational Technology” بأنها عبارة عن استخدام التكنولوجيا الحديثة لتطوير وتسهيل عملية التعلم والتعليم ويشمل هذا المجال توظيف الأدوات التقنية مثل البرمجيات التعليمية، الذكاء الاصطناعي، الواقع الافتراضي، التعلم الإلكتروني، والتعلم عن بعد لتمكين وتعزيز تجربة التعلم، وتحسين نتائج التعليم في جميع المراحل التعليمية.
ووفقا للأرقام والدراسات العالمية تعتبر تكنولوجيا التعليم واحدة من أسرع القطاعات نموا في العالم في عام 2021، بلغ حجم سوق تكنولوجيا التعليم العالمي حوالي 254.80 مليار دولار، ومن المتوقع أن يصل إلى أكثر من 605.4 مليار دولار بحلول عام 2027، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 15.52 % من 2021 إلى 2027.
وثمة معيقات تواجه القطاع من بينها الحاجة لمزيد من تطوير البنية التحتية للاتصالات والإنترنت لتصل إلى مناطق الأطراف إضافة إلى وجود جيل لم يعايش التكنولوجيا بصورها المتطورة لحد الآن كما أنه ما زالت القدرة على جذب الاستثمار والتمويل تشكل تحديا ظاهرا إضافة إلى ضعف المهارات الرقمية.
وقال استاذ التسويق الدولي في الجامعة الأردنية د.هاني الضمور إن “التكنولوجيا تلعب دورًا كبيرًا في تطوير القطاع التعليمي في العديد من الاتجاهات، فهي تسهم في تعزيز جودة التعليم وإتاحة الوصول إليه بشكل أوسع، وجعل العملية التعليمية أكثر تفاعلية، وتحفز الطلاب وتزيد من استيعابهم للمحتوى”.
وأضاف “التكنولوجيا بأدواتها المختلفة تساعد في التغلب على العقبات الجغرافية والاقتصادية، حيث يمكن للطلاب من مختلف المناطق الاستفادة من المصادر التعليمية عبر الإنترنت، وتتيح التكنولوجيا للمعلمين إدارة الصفوف والأنشطة التعليمية بسهولة من خلال منصات تعليمية رقمية”.
وقال الضمور إنه “ينضوي تحت مظلة التكنولوجيا العديد من التقنيات والحلول والمنصات ومنها أدوات وبرامج تخدم القطاع التعليمي، مثل تطبيقات التعلم الإلكتروني، أنظمة إدارة التعليم، والمنصات التفاعلية، والفيديوهات التفاعلية، المحاكاة، والألعاب التعليمية” مشيرا الى التطور الهائل والتسارع في الوقت الحالي في حلول تعتمد على الذكاء الاصطناعي والتحليلات التعليمية”.
وقال “فوائد تكنولوجيا التعليم تشمل التعليم الأساسي والجامعي وكل أنواع التعليم والتدريب” مبينا أنه في التعليم الأساسي، يمكن استخدام التطبيقات التعليمية والألعاب لتطوير مهارات الطلاب وتحفيزهم على التعلم بشكل تفاعلي وممتع، إلى جانب ما توفره اللوحات الذكية والشاشات التفاعلية في الصفوف أدوات لتقديم الدروس بطريقة شيقة وتساعد الطلاب على التفاعل مع المحتوى التعليمي.
أما في التعليم الجامعي، فقد أشار الضمور إلى إن منصات التعلم عن بعد وأنظمة إدارة التعلم تتيح للطلاب الوصول إلى محاضراتهم وموادهم الدراسية من أي مكان وفي أي وقت، مما يعزز من مرونة التعليم.
كما تساعد التكنولوجيا في حل مشكلة نقص الموارد من خلال المحاكاة الافتراضية التي تمكن الطلاب من إجراء تجارب علمية وتطبيقات عملية عبر الحاسوب.
ويرى الضمور أن الأردن خطى خطوات جيدة في توظيف التكنولوجيا في التعليم، حيث تم إطلاق العديد من منصات تعليمي لتسهيل الوصول إلى التعليم عن بعد. كما بدأت الجامعات في استكشاف استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين جودة التعليم وتقديم تجارب تعليمية متقدمة.
وقال خبير التقنيات الذكية والابتكار مؤسس صندوق ” فكر فينتشرز” محمد خواجا “الشركات الناشئة تتجه اليوم إلى تطوير مشاريع في مجال تكنولوجيا التعليم نظرا للطلب المتزايد على حلول تعليمية مبتكرة، وخصوصا بعد جائحة كوفيد 19 التي أبرزت الحاجة إلى التعلم عن بُعد كما أن التطور التكنولوجي السريع وتزايد استخدام الأجهزة الذكية يسهمان في تعزيز هذا التوجه”.
وأكد خواجا بالقول “يعتبر مجال تكنولوجيا التعليم واعدا لريادة الأعمال، إذ يوفر فرصا كبيرة للابتكار وتلبية احتياجات السوق المتنامية، كما انه يعتبر مجال مستقطب للاستثمارات المتزايدة”.
وضرب خواجا مثلا على الاستثمار في صناعة تكنولوجيا التعليم في المنطقة، جولة التمويل الأخيرة بقيمة 41 مليون دولار التي قادتها “واعد فنتشرز” و”رائد فنتشرز” لشركة “نون التعليمية” السعودية، تؤكد على جاذبية هذا المجال للمستثمرين.
ومن قصص النجاح المحلية لشركات ناشئة متخصصة في تقنية التعلم استطاعت أن تستقطب استثمارات كبيرة هي شركة ” أبواب” التعليمية التي استطاعت في العام 2021 أن تستقطب استثمارا بقيمة 20 مليون دولار، حيث تشرف الشركة على منصة رقمية تقدم محتوى تعليميا يراعى طرق التعلم المختلفة للطلاب اعتمادا على تكنولوجيا تعلم الآلة والذكاء الاصطناعي.
وتوقع خواجا استمرار حالة نمو صناعة تكنولوجيا التعليم مع تبني تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي، والواقع المعزز، والواقع الافتراضي، ما سيعزز من فعالية وكفاءة العملية التعليمية.
ومع الفرص الكبيرة المتوافرة في صناعة تكنولوجيا التعليم أكد خواجا أنه يجري تأسيس صندوق “فكر فنتشرز” للتركيز على الاستثمار ودعم الشركات الريادية في تقنيات التعليم.
وبين ان هذا التوجه يأتي استجابة للنمو السريع في صناعة التعليم، واعتبارها قطاعا أساسيا في تأهيل الأجيال القادمة بمهارات المستقبل، مما يسهم في تمكين القطاعات الأخرى من اكتساب المهارات اللازمة.
ومن الشركات الناشئة الأردنية التي تعمل في صناعة ” تكنولوجيا التعليم” هي شركة ” ايديوهاكس” التي قال مؤسسها يزن تادرس “هذه الصناعة ينتظرها الكثير من النمو مستقبلا وخصوصا إذا ما قامت الشركة الناشئة بإيجاد حل لمشكلة أو حاجة ملحة في القطاع التعليمي”.
وبين تادرس أن شركته قدمت منتجا يحمل اسم ” ماث مينيا” وهو عبارة عن لعبة إلكترونية مدعمة بالذكاء الاصطناعي تعلم أطفالنا الرياضيات ومسائلها بالعربية والانجليزية، حيث يواجه الصغار صعوبات في مادة الرياضات وعدم الاستمتاع بها، لافتا إلى أنها تمكنت خلال أقل من سنتين من جذب استثمارات أردنية وسعودية ساعدتها على الانطلاق والتطور.
وأكد الدماطي أن تكنولوجيا التعليم ” تعتبر مجالا واعدا لريادة الأعمال”، حيث تتوفر فرص كبيرة للشركات الناشئة لتطوير حلول مبتكرة تعالج التحديات التعليمية وتساهم في تحسين جودة التعليم.
وبين أن الريادة في هذا المجال تتطلب التفكير الابتكاري وتوظيف التكنولوجيا في تطوير أدوات تعليمية متقدمة، بما يتماشى مع احتياجات المعلمين والمتعلمين.
ويلخص الدماطي قائلا: ” إنه بالنظر إلى الاتجاهات الحالية في التعليم والتكنولوجيا، يظل هذا القطاع من أكثر القطاعات جاذبية لرواد الأعمال”.
وعن أسباب توجه الشركات الناشئة نحو مشاريع تكنولوجيا التعليم يرى الدماطي انها تتمثل في فرص النمو الضخمة فمع التحول الرقمي المتسارع، حيث تزداد الحاجة إلى حلول تعليمية متقدمة تتناسب مع العالم الرقمي وسط تحديات عالمية في التعليم تدفع الشركات الناشئة لايجاد حلولا تساعد في تغطية نقص المعلمين المؤهلين، وتكلفة التعليم التقليدي العالية، والحاجة إلى التعلم مدى الحياة.
وبين الدماطي أن قطاع تكنولوجيا التعليم يحظى بدعم كبير من المستثمرين، كما يتوقع أن تستمر الاستثمارات في تكنولوجيا التعليم بالنمو مع ازدياد الحاجة إلى الابتكار في هذا المجال.
وعن أبرز التقنيات الحديثة التي يمكن تطويعها لخدمة التعليم، والتي يمكن أن تتوجه لها الشركات الناشئة في عملها بين الدماطي أن اهمها تقنيات ” الذكاء الاصطناعي” التي يمكن استخدامها لتحليل بيانات المتعلمين وتخصيص تجربة التعلم بناء على احتياجاتهم الفردية، وتقنية ” التعلم الآلي” التي يمكن أن تستخدم للتنبؤ بنتائج التعلم وتقديم توصيات تعليمية مخصصة، وتقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز اللتين توفران تجارب تعليمية غامرة تحاكي البيئات الحقيقية.
وأشار الدماطي أيضا إلى تقنيات ” التعلم عن بعد والتعليم الإلكتروني”، مبينا أنه باستخدام المنصات التعليمية على الإنترنت، يمكن للمتعلمين الوصول إلى المحتوى التعليمي في أي وقت ومن أي مكان، إضافة إلى تقنيات ” التعليم التكيفي” والتي تستخدم لتطوير برامج تعليمية تتكيف مع مستوى كل متعلم، وتقدم محتوى مخصص حسب احتياجاته.
كما أكد أهمية تقنيات ” تحليلات التعلم” التي تستخدم لتحليل البيانات المتعلقة بسلوك الطلاب وتقديم تقارير تفيد بتحسين الأداء التعليمي.
المصدر الغد