اليوم العالمي للمرأة: أردنيات يحلّلن شيفرات النّجاح ليتألقن في فضاء التّكنولوجيا
ربّما لم تدرك ال 15 ألف سيّدة اللّواتي جبن شوارع نيويورك عام 1908 للمطالبة بظروف عمل أفضل بأنّهن لا يضعن فقط الأساس لواحدة من أهمّ المناسبات العالميّة وهي اليوم العالمي للمرأة الّذي يحتفل به في 8 آذار/مارس من كلّ عام، بل أيضاً بأنّهن يطلقن شعلة الإلهام لملايين من السيّدات حول العالم كي يتألقن ويقدمن نماذج تحتذى لنظيراتهنّ كلّ يوم وكلّ لحظة.
هذا العام تنطلق احتفالات اليوم العالمي للمرأة تحت عنوان “المساواة المبنيّة على النّوع الاجتماعي اليوم من أجل غد مستدام” ولأنّ المستقبل المشرق لا يتحقّق إلّا بالإلهام فيبدو أن أردنّنا على الطّريق السّليم.
في سماء الأردنّ الافتراضي تلمع نجمات يسعين كلّ يوم للإسهام في تحقيق الرّؤية الوطنية المتمّثلة في توسيع الحضور الاقتصادي لقطاع الاتّصالات وتكنولوجيا المعلومات بالاتّساق مع رؤية 2023 وخريطة الطّريق الاستراتيجية للفترة 2022-2033 لرفع مساهمته في النّاتج المحلّي الإجمالي إلى 4 مليارات دينار، وبما نسبته 13 بالمئة من النّاتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2033، بدلاً من مليار دينار في نهاية عام 2021.
سيّداتنا المتألّقات في عالم التّكنولوجيا يكتبن باقتدار شيفرة نجاح تصلح لأن تكون كوداً لبرنامج وطني يبعث على الفخر وقصّة نجاح وطنية ممتدّة ليس فقط عبر المجالات المختلفة بل أيضاً عبر الأجيال.
سارة يونس: تكنولوجيا بطعم الأمومة
ما قد يبدو من الخارج بأنّه قصص يوميّة لأمّ عاملة تحبّ عملها وعائلتها ومتابعيها لتشارك معهم لحظاتها الممّيزة ما هو إلّا مثال لما يمكن أن يكون عليه الحلم الّذي يتشكّل في طفولة مليئة بالوعي.
سارة يونس أو “تيك ماما”، كما تسمّي مدوّنتها الّتي باتت مرجعاً للكثيرات اللّواتي يبحثن عن التّوازن بين النّجاح المهني والشّخصي بالإضافة إلى التعرّف على آخر التطوّرات التّكنولوجية، أدركت وهي في الصفّ الثّامن بأنّها تجد نفسها في التّكنولوجيا بتسارعها المستمرّ وتطوّرها الكبير والفرص غير المحدودة الّتي تقدّمها.
تمتلك سارة خبرة عمليّة ممتدّة على مدار 14 عاماً كمديرة إنتاج لتطبيقات تعليميّة تكنولوجيّة، وهي مسيرة برّاقة لا تخلو من تحدّيات. صورة سارة ارتبطت لدى المتابعين بابنتيها اللّتين تشكّلان جزءاً لا يتجّزأ من تفاصيل حياتها اليوميّة وقصّة نجاحها فيما يبدو أنّه انتقال سلس للمعرفة بين الأجيال.
فالتحدّيات الّتي واجهتها سارة طبيعيّة في ظلّ قلّة عدد النّساء اللّواتي يعملن في هذا المجال بصورة نسبيّة إلا أنّ سارة تعشق هذا النّوع من التحدّيات لتحوّله إلى فرص.
تؤمن سارة بأنّ التّكنولوجيا “متنفّس” للأفكار و”منّصة” لتبادل المعلومات والمعارف فضلاً عن كونها وسيلة لتسريع وتيرة اكتساب الأطفال للمهارات الجديدة.
لا تنبع أهمّية قصّة سارة من كونها أوّل صانعة محتوى تكنولوجي متخصّص في الأردنّ بل أيضاً لكونها أمّ أدركت أنّ تسليم شعلة النّجاح للأجيال الجديدة يبدأ من كلّ سيّدة وبأنّ التّعليم وإدراج التّكنولوجيا في المناهج التّعليمية هو كلمة السرّ لتحقيق المساواة المبنيّة على النّوع الاجتماعي والذي يتماشى مع موضوع اليوم العالمي للمرأة لهذا العام.
تحرص سارة على رفع وعي ابنتيها بأهمّية التّكنولوجيا وكيفيّة تحقيق التّوازن بين الاستفادة من مزاياها وعدم تأثيرها سلباً على حياتنا، إلا أنّها تترك لهنّ المساحة الكاملة لاختيار المسار المهني الّذي يناسب شغفهنّ.
ما عاشته سارة كطالبة وأدركته كأم تطبّقه لما شعشاعة على أرض الواقع وبصورة يوميّة!
لما شعشاعة: نور في أوّل النّفق!
تشكّل لما شعشاعة استثناء ليس فقط لكونها الشّريكة المؤسّسة والرّئيسة التّنفيذية للأكاديمية الدّولية لأنظمة الرّوبوت والتّكنولوجيا منذ عام 2014 ولا لكونها تضع خبراتها في مجال التّكنولوجيا في خدمة الشّباب والأطفال لتمكينهم من الابتكار، بل لأنّها تمّثل نوراً حقيقيّاً للأجيال الجديدة السّاعية إلى اكتشاف قدراتها في مجال التّكنولوجيا والابتكار، فأن تكون نوراً في بداية النّفق يعني أن تصل إلى نهاية النّفق وقد سبقك حلمك.
تمتلك لما خبرات مثيرة للإعجاب من خلال عضويّتها في اجتماع الخبراء لشؤون الابتكار وبناء القدرات والرّيادة في منظمة الأمم المتحدّة وحصولها على الجائزة الفضّية للمرأة في ريادة الأعمال لجهودها في مجال التّعليم الرّقمي للأطفال في منّظمة الأمم المتحدّة عام 2018، لكنّ الأكثر إعجاباً هو قدرتها على إضفاء الجانب الإنساني على التّكنولوجيا كي تجسر الهوّة بينها وبين أطفالها من جهة وطلّابها من جهة أخرى لتكون التّكنولوجيا جسراً حقيقيّاً للتّواصل بين الأجيال.
وظّفت لما باقتدار “المستويات غير المسبوقة من الطّموحات والابتكار الّتي تجلبها التّكنولوجيا” لتصميم برامج فاعلة ومبتكرة لبناء قدرات الشّباب والأطفال ابتداء من سنّ السادسة في مجال تصميم الحلول وكتابة الأكواد والبرامج ومن ثمّ إضفاء الجانب التّجاري على البرامج التّكنولوجية وتسويقها بصورة جذّابة لتكون نموذج متميّز يستحق الكتابة عنه في اليوم العالمي للمرأة.
كما وظّفت لما تجربتها الشّخصية في التّواصل مع أصدقائها وعائلتها عبر مواقع التّواصل الاجتماعي لتمكين طلّابها من تعزيز قدرات التّفكير النّقدي واكتساب عقليّة النّجاح ومعرفة أهمّية التّكنولوجيا والاستفادة من الإمكانيّات غير المحدودة الّتي توفّرها.
وكي يكون الطلّاب أكثر قدرة على النّجاح في عالم التّكنولوجيا تحرص لما على تثقيف الطلّاب حول الأمور الأخرى المرتبطة بتصميم الحلول التّكنولوجية مثل الملكية الفكريّة والنّظر إلى الأمور بطريقة مختلفة.
يكمن سرّ نجاح لما في أنّها شكّلت علاقة شراكة حقيقيّة بينها وبين الأجيال الجديدة، إلا أنّ زين عصفور توظّف هذه الشّراكات من خلال عملها في إنتاج لتمهيد الطّريق للسيّدات للمشاركة الفاعلة في قطاع الاتّصالات وتكنولوجيا المعلومات.
زين عصفور: طريق التّكنولوجيا محفوف بالنّساء!
ما تقوم به سارة ولما كلّ يوم ما هو إلا ثمرة لجهود مستمرّة تقوم بها زين عصفور – رئيسة وحدة تمكين المرأة SHETECHS- في جمعيّة إنتاج الهادفة لتمكين النّساء للانخراط بصورة أكبر في قطاع الاتّصال وتكنولوجيا المعلومات مما يجعلنا نلقي الضوء على إنجازات زين في اليوم العالمي للمرأة.
تنطلق زين من إيمانها بأنّ التّكنولوجيا “وجدت كي تسهّل حياتنا” وبأنّ “الموهبة هي المعيار الوحيد” الّذي يميّز شخصاً عن آخر في هذا القطاع لتعمل من خلال شراكات مستمرّة مع القطاعين العامّ والخاصّ ومؤسسّات المجتمع المدني على تمكين عدد أكبر من النّساء لينضممن إلى القطاع الّذي يفتح ذراعيه “للموهوبات” ويرحّب “بالسّاعيات” للنّهوض بالأردنّ كي يكون ملتقى إقليميّ لقطاع الاتّصالات وتكنولوجيا المعلومات.
أثناء عملها تحرص زين على تعزيز الوعي بجوانب التّكنولوجيا جميعها فتطوّرها السّريع جدّاً قد يبدو تحدّياً إلا أنّه في الواقع فرصة لجميع السّيدات لإثراء معارفهنّ بصورة مستمرّة لاكتساب الخبرات والمعارف المناسبة، فأن تشكّل الإناث 50% من خرّيجي قطاع التّكنولوجيا يعني أنّنا على الطّريق الصّحيح كما أنّ إزالة سوء الفهم الّذي يشير إلى أنّ هذا القطاع للرّجال فقط يبدأ بنا وينتهي بنا.
تخلق الوتيرة المتسارعة لنموّ التّكنولوجيا فرص عمل جديدة مثل الأمن السّيبراني وغيرها من المجالات الجديدة وبالتّالي كلّ ما علينا القيام به معاً “هو خلق ظروف وبيئة عمل برّاقة” تجعل من القطاع جاذباً لعدد أكبر من النّساء لتكون هناك الكثير من السّيدات الملهمات مثل سارة ولما وزين وغيرهنّ الكثيرات.
يتمّثل الهدف الأساسي بحسب زين في تعزيز الابتكار ودمج التّكنولوجيا بالتّعليم وخلق شبكة واسعة ممتدّة على الصّعيد الوطني لتتمكّن السيّدات من تبادل الخبرات والمعارف ومشاركة الخبرات.
عن ماذا يمكن أن تسفر مثل هذه الجهود المنّظمة لإشراك السيّدات في القطاع؟ عن سيّدات يشكّلن مصدراً للفخر الوطني عندما تتوّج مبادراتهنّ وإنجازاتهنّ بجوائز عالميّة على غرار الدكتورة زهر السّاعي.
الدّكتورة زهر السّاعي: مبادرات بحجم العالم.. شغف بحجم الوطن!
“قد تغيّر التّكنولوجيا العالم” بهذه الكلمات تجّسد الدّكتورة زهر السّاعي الّتي تحمل شهادة الدّكتوراة في علم الحاسوب/ البيانات الضّحمة من جامعة العلوم الماليزيّة، رؤيتها للتّكنولوجيا القادرة على “فتح نوافذ وآفاق” غير مسبوقة تتطلّب منا “وعياً أكبر” واستثماراً في برامج أكاديميّة وتعليميّة للنّساء حول التّكنولوجيا.
تغيّر التّكنولوجيا العالم فيما تغيّر الدّكتورة زهر المشهد بحصولها على جائزة تلو الأخرى ليتمّ اختيارها مؤخّراً ضمن أفضل 5 سيّدات مؤثّرات في مجال التّكنولوجيا تمّ ترشيحهنّ للمسابقة العالمية WomenTech Global Community Award، كما جرى اختيارها ضمن قائمة أعلى ٢٥ امرأة عالميّاً ضمن جميع القوائم النهائية لجميع المجموعات المتقدّمة لتمّثل المرأة العربية والأردنيّة ضمن القائمة التي تمّ اختيارها بناء على التصويت وتحقيق معايير وشروط المسابقة.
كما حصدت الدكتورة زهر ثلاث جوائز ذهبية في ثلاث فئات من جوائز ستيفي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 2023، والتي تعد واحدة من أكثر الجوائز المرغوبة والمرموقة في العالم، عن فئات: جائزة الابتكار في تطوير التكنولوجيا – غير هادفة للربح، وجائزة إنجاز مبتكر في العلوم أو التكنولوجيا، وجائزة حملة العام للريادة الفكرية، لتصبح بذلك أول أردنية تحصل على ثلاثة ذهبيات دفعة واحدة في هذه المسابقة العالمية؛ وذلك تقديرا لنشاطها العلمي ومشاركتها في مبادرات تعنى بعلوم البيانات.
لا يقتصر تغيير الدّكتورة زهر للمشهد الوطنيّ والإقليميّ على الحصول على الجوائز فقط بل على توظيف خبرتها الأكاديميّة المعزّزة بالتّكنولوجيا لإطلاق مبادرات مثل “سفراء الخير” و”عقول” في الوطن العربيّ و”نساء عربيّات في علوم البيانات في الشّرق الأوسط وشمال إفريقيا” كي تصبح التّكنولوجيا بالفعل في متناول النّساء وكي تصبح النّساء الموهوبات في متناول السيّدات الباحثات عن نموذج يحتذى ومصدر إلهام.
تمثل الدّكتورة زهر كلّ سيّدة طموحة تبقى على اطّلاع على آخر ما توصّل له العالم في مجال البيانات الضحمة والذّكاء الاصطناعي كي تتمكّن من أن تسبق العالم وتنشر معارفها في أبرز الدّوريات البحثية الهامّة لتظّل مصدر فخر لوطنها ونظيراتها في الإقليم والعالم.
قصص اليوم العالمي للمرأة: رؤية مشرقة ومتحققة
هذه القصص الأربع ليست مصدراً للفخر فقط بل دليلاً دامغاً على أنّ الأردنّ بمواهبه وثروته البشريّة قادر على أن يقدّم للإقليم والعالم نموذجاً يمكن أن تحتذي به جميع الدّول لتمكين النّساء للانخراط في قطاع الاتّصالات وتكنولوجيا المعلومات، فهذه القصص ليست فرديّة بل تراكميّة تشير بوضوح إلى أنّ الجهود المبذولة على الصّعيد الوطنيّ منذ سنوات طويلة لتعزيز قطاع الاتّصالات وتكنولوجيا المعلومات قد آتت أكلها وتؤتي أكلها فكلّ يوم تنضمّ سيّدات مبدعات وناجحات إلى سارة ولما وزين والدّكتورة زهر.
لا يزال هناك الكثير من الجهود اللّازمة لتحقيق الرّؤية الوطنية للقطاع إلا أنّ طريق الألف ميل بدأ بالفعل بخطوات هائلة تدعو للفخر والإلهام والأهمّ العمل المستمرّ!