جذب انتباهي مؤخراً إنفوجرافيك على موقع شركة “Bond High Plus” يُظهر ما يحدث في كل دقيقة من يومنا الرقمي، مما زاد من قناعتي أننا نعيش في عصر لم تشهده البشرية من قبل.

الأرقام مذهلة: 16 ألف فيديو يُرفع على تيك توك، و3.47 مليون مشاهدة على يوتيوب، 138.9و مليون ريل يُشاهد على فيسبوك وإنستغرام، 5.9و مليون بحث على جوجل، و18.8 مليون رسالة نصية، و251 مليون بريد إلكتروني يُرسل – كل هذا في دقيقة واحدة فقط.

لكن ما يثير قلقي حقاً هو الرقم الأحمر في هذه المعادلة: 4,080 سجل بيانات يتم اختراقه كل دقيقة، وهذا يعني أن أكثر من 5.8 مليون سجل بيانات شخصية يتم تسريبه يومياً، ونحن نتحدث عن تحدٍ أمني حقيقي يتطلب استجابة عاجلة وشاملة.

من وجهة نظري، هذه الأرقام تكشف عن ثلاث حقائق مهمة لمستقبلنا التقني:

أولاً، ثورة المواهب المطلوبة، فكل فيديو من الـ 16 ألف فيديو على تيك توك يحتاج منشئ محتوى، محرر، مصمم جرافيك، ومحلل بيانات، وكل مشاهدة من الـ3.47 مليون مشاهدة على يوتيوب تتطلب خوارزميات توصية متطورة ومهندسي أنظمة قادرين على التعامل مع هذا الحجم الهائل من البيانات، أما الـ138.9 مليون ريل على فيسبوك وإنستغرام فتحتاج لمطورين متخصصين في الذكاء الاصطناعي لفهم تفضيلات المستخدمين وتقديم المحتوى المناسب.

كل بحث من الـ5.9 مليون بحث يتطلب خوارزميات ذكية ومهندسي بيانات متخصصين، وهذا الطلب الهائل على المهارات الرقمية يتطلب إعادة تصميم شاملة لأنظمة التعليم والتدريب، وتطوير برامج تأهيل سريعة تواكب احتياجات السوق المتغيرة.

ثانياً، الذكاء الاصطناعي يتغذى على هذا التدفق الهائل، فكل رسالة، كل بحث، كل فيديو يُشاهد على يوتيوب، وكل ريل يُستهلك على المنصات الاجتماعية يُدرب أنظمة الذكاء الاصطناعي ليصبح أكثر ذكاءً وفعالية، والـ3.47 مليون مشاهدة على يوتيوب تساهم في تطوير خوارزميات فهم المحتوى المرئي والصوتي، بينما الـ138.9 مليون ريل تعلم الأنظمة كيفية التنبؤ بسلوك المستخدمين وتفضيلاتهم، ونحن نساهم جميعاً، دون أن ندري، في بناء عقول رقمية ستشكل مستقبل البشرية، وهذا التطور يفتح آفاقاً لا محدودة للابتكار في مجالات الطب، التعليم، والنقل، وغيرها، لكنه يتطلب أيضاً وضع أطر أخلاقية وقانونية واضحة.

ثالثاً، الأمن السيبراني أصبح قضية وجود، فمع 4,080 اختراق كل دقيقة، وحجم البيانات الشخصية المتدفقة من مليارات المشاهدات والتفاعلات، لم يعد الأمن السيبراني مجرد خيار تقني، بل ضرورة حياتية تتطلب استثمارات ضخمة في التقنيات المتقدمة، من التشفير الكمي إلى الذكاء الاصطناعي الدفاعي، وتدريب كوادر متخصصة قادرة على مواجهة التهديدات المتطورة التي تستهدف هذا الكم الهائل من المعلومات الشخصية.

هذا التحول الرقمي المتسارع يمثل فرصة ذهبية للمنطقة العربية لتعزيز مكانتها في الاقتصاد الرقمي العالمي. نشهد بالفعل مبادرات واعدة في عدة دول عربية لتطوير البنية التحتية الرقمية وبرامج التحول الرقمي، لكن الحاجة تبقى ملحة لتسريع وتيرة هذه الجهود وتوسيع نطاقها لتواكب هذا النمو الهائل في استهلاك المحتوى الرقمي.

الحل يكمن في بناء شراكات استراتيجية حقيقية بين القطاعين العام والخاص، مع عدم إغفال الدور المحوري للقطاع الأكاديمي، إذ نحتاج لاستثمارات ضخمة في التعليم التقني، والبحث والتطوير وضمان جودتهما، بالإضافة إلى سياسات أمنية متقدمة تحمي مواطنينا في العالم الرقمي.

كما يجب تقديم دعم أكبر للشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة من خلال تهيئتها وترويجها ودعم مشاركاتها في المعارض والمؤتمرات الإقليمية والعالمية، مما يساهم في زيادة نسب التوظيف وتعزيز الصادرات التقنية.

المستقبل يُكتب الآن، كل دقيقة، وعلينا أن نكون جزءاً فاعلاً في كتابته وليس مجرد متفرجين عليه.

*الرئيس التنفيذي لجمعية شركات تقنية المعلومات والاتصالات في الأردن – انتاج