بعد موافقة مجلس الوزراء الأردني على الأسباب الموجبة لمشروع قانون التعامل بالأصول الافتراضية لعام 2025، بات من المتوقع أن يتم إصداره رسميًا في المستقبل القريب بعد مروره بالقنوات الدستورية اللازمة. يمثل هذا القانون خطوة أساسية نحو توفير إطار تنظيمي واضح يواكب التحولات الرقمية العالمية، لكنه يفتح أيضًا المجال أمام الأردن لتبني نهج ريادي ومبتكر لتعزيز مكانته في الاقتصاد الرقمي. فمع اقتراب دخول القانون حيز التنفيذ، يبرز التساؤل الأهم: كيف يمكن للأردن الاستفادة من هذا التشريع لتعزيز الابتكار، وجذب الاستثمارات، وتحقيق نمو اقتصادي مستدام؟
إن إقرار القانون لا يعني الاكتفاء بالتنظيم وحماية المستثمرين فحسب، بل يجب أن يكون نقطة انطلاق نحو جعل الأردن مركزًا إقليميًا رائدًا في قطاع الأصول المشفرة والتكنولوجيا المالية. ومن أبرز المبادرات التي يمكن تنفيذها لتحقيق ذلك، نذكرإنشاء صندوق وطني للاستثمار في الأصول المشفرة، حيث يمكن للحكومة الأردنية بالتعاون مع المؤسسات المالية الكبرى ضخ استثمارات مدروسة في مشاريع البلوكشين والعملات الرقمية الناشئة، مما يضمن تحقيق عوائد اقتصادية مستدامة وتقليل المخاطر عبر التنويع الاستثماري. يمكن لهذا الصندوق دعم الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية، وتعزيز بيئة الأعمال الرقمية. كما يمكن إطلاق برنامج وطني للبحث والتطوير في التكنولوجيا المالية، حيث يمكن التعاون ما بين الجامعات والشركات الناشئة تطوير حلول دفع رقمية مبتكرة تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي والبلوكشين. مثل هذا البرنامج سيساهم في تطوير خدمات مالية أكثر أمانًا وسرعة، وسيعزز من مكانة الأردن كمركز بحثي متقدم في هذا المجال. علاوة على ضرورة تشجيع الابتكار من خلال بيئة تنظيمية مرنة، فيمكن للحكومة توفير بيئة قانونية مرنة تحفز الابتكار، مثل المناطق الاقتصادية الخاصة التي تتيح للشركات الناشئة في قطاع الأصول المشفرة العمل ضمن أطر قانونية متطورة، ما يشجع على جذب الشركات العالمية للاستثمار في الأردن.
لتنفيذ هذه الرؤية، لا بد من الاستثمار في البنية التحتية الرقمية لضمان أن تكون بيئة الأصول المشفرة آمنة وفعالة. يتطلب ذلك تحديث الأنظمة المصرفية بحيث تتكامل مع تقنيات البلوكشين، مما يسهل عمليات الدفع الرقمية. وتطوير مراكز بيانات محلية قادرة على استضافة مشاريع العملات الرقمية وتقديم حلول تخزين آمنة. وتعزيز الأمن السيبراني لحماية منصات التداول والمستثمرين من الهجمات الإلكترونية.
رغم الإمكانات الكبيرة التي يوفرها تنظيم الأصول المشفرة، هناك تحديات لا بد من التعامل معها بفعالية، ومن ابرزها؛ أولا، التقلبات السعرية الحادة، ويمكن الحد من تأثيرها عبر تطوير أنظمة تداول مستقرة واعتماد أصول مشفرة مدعومة بأصول حقيقية (Stablecoins) ، وثانياً، مخاطر الجرائم المالية، حيث يتطلب ذلك تشديد آليات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، من خلال التعاون مع المؤسسات المالية الدولية. ثالثاً، عدم الوعي المجتمعي، حيث يمكن إطلاق برامج توعوية لتعريف المستثمرين والمستهلكين بالمخاطر والفوائد المرتبطة بالأصول المشفرة.
باختصار، فإن إقرار قانون تنظيم الأصول المشفرة ليس سوى البداية. يتعين على الأردن أن ينظر إلى هذا القانون كفرصة لبناء اقتصاد رقمي قوي، يستفيد من تقنيات المستقبل ويخلق بيئة استثمارية جاذبة. عبر تبني سياسات مبتكرة مثل إنشاء صندوق استثماري وطني، وتعزيز البحث والتطوير، وتحسين البنية التحتية الرقمية، يمكن للأردن أن يصبح مركزًا ماليًا وتقنيًا رائدًا في المنطقة. المستقبل الرقمي يطرق الأبواب، وعلى الأردن أن يكون مستعدًا لاستقباله برؤية طموحة ونهج استراتيجي متكامل.
المصدر الدستور