في عالم تتنافس فيه المنصات الرقمية باستمرار؛ جاءت “مسموع” كمنارة توفر مساحة لأصوات مجتمع الصم، باعتبارها أول منصة رقمية أردنية مخصصة لمناصرة مقدمي محتوى الصم وتقديم محتوى تعليمي بلغة الإشارة العربية.

  ولدت “مسموع” من وحي فيلم Amplified أو سكون، الذي يتناول قصة هند (11 عاما)، فتاة صماء تحترف رياضة الكاراتيه، وفي لحظة واحدة تنقلب موازين عالمها بعد تعرضها للتحرش من قبل مدربها لتخوض رحلة صعبة قبل أن تتحرر.

السرد الحسي في الفيلم، المصحوب بتجربة صوتية أصيلة، يغوص في ما يحدث عندما تتحطم المساحات الآمنة بأبشع الطرق. من خلال عيون وآذان هند، يتأرجح المشاهد ما بين الخوف وقسوة الألم، والصمت والضوضاء، والخفية والظهور. الفيلم الروائي القصير من تأليف وإخراج دينا ناصر وإنتاج بتول إبراهيم وهن أيضا اللتان تقفان وراء تأسيس المنصة.

من “سكون” إلى “مسموع”

مؤسستا المنصة؛ مخرجة فيلم “سكون” دينا ناصر والمنتجة بتول ابراهيم، أرادتا بناء مجتمع رقمي من وإلى الصم من أجل خلق مساحة آمنة لهم للتعبير والتواصل وتسهيل الحياة.

“عملنا مع أشخاص فاعلين وذهلنا بقدراتهم، شكلنا علاقات قوية معهم وسط تحديات التواصل ولكننا تغلبنا عليها”، هكذا تقول بتول لـ”الغد”.

وعلى مدى عامين قام  فريق العمل الذي أسس استديو له مقابل الجمعية بالتعرف عن كثب على هذا المجتمع، لم يكن التواصل سهلا لكن بالارادة قاموا بتعلم لغة الإشارة بمساعدة المدرب سيف، ونتج عن هذا التفاعل والتعاون أفكار كثير تم اكتشافها لتشكل وعيا بأهمية توسعة أفق الفيلم خروجا بفكرة “مسموع” كامتداد للعمل مع ملاك “بطلة سكون” وعائلتها وأصدقائها الذين تدربوا مع طاقم الفيلم.

ومن هنا يهدف الفيلم والمنصة إلى جعل الإنتاج والأفلام شاملة لذوي الإعاقة خاصة الصم، فـ “مسموع” منصة لمنشئي المحتوى من الصم لمشاركة قصصهم ووجهات نظرهم. وتسعى لنشر الوعي حول التحديات التي يواجهونها في المجتمع، والترويج لممارسات صناعة الأفلام الشاملة لهم وخلق بيئة آمنة ومساحة تعزز دورهم.

تقول بتول؛ “قمنا بشرح تفاصيل الفيلم وكل خطواته لوالدي ملاك نصار بطلة الفيلم، ورافقناهم في رحلة التعرف فيها على كل الطاقم والأماكن التي سيتم التصوير بها، ومن خلال مساعدة مترجم لغة الإشارة سيف صالح، وصولا لتصوير فيلم بجهود جماعية”.

ممرض يترجم بلغة الإشارة

 في حفل إطلاق المنصة الذي عقد في استديو أم جنين في جبل اللويبدة شارك فيه كل الفاعلين في المنصة باجواء حماسية عززتها لغة الإشارة التي كانت وسيلة للتواصل مع الناطقين من خلال مترجم لغة الإشارة والممرض سيف صالح.

صالح الذي عمل مع طاقم فيلم “سكون” تعلمها منذ الصغر حيث اعتاد مرافقة خاله الذي كان نائبا لرئيس الهيئة الإدارية لنادي الأمير علي للصم.

اتقانه للغة الإشارة جعلته عضوا مهما ومؤثرا في رحلة صناعة “سكون” فهو المترجم لبطلة الفيلم “هند” التي لعبت دورها ملاك نصار.

ولكن الأمر لا يتوقف هنا، فمع ولادة فكرة منصة “مسموع” التي تعد خطوة حيوية في تعزيز المعلومات وبناء محتوى خاص بمجتمع الصم منهم وإليهم للتواصل والتثقيف حيث يعمل صالح اليوم كمنظم للفريق في المنصة البالغ عددهم حتى هذه اللحظة 15 شخصا تترواح أعمارهم بين 13 و25 عاما”.

البطلة.. الملهمة

ملاك نصال او هند في “سكون”، (11 عاما)،  تلعب دورا صعبا إثر تعرضها للتحرش، تلك الرحلة في عالم من الصمت تتحول لكابوس مخيف وبين قدرتها على البوح والمواجهة تقطع شوطا كبيرا بشجاعة.

ملاك تقول لـ”الغد” بلغة ترجمها المختص بلغة الصم، “أحببت دوري وتجربة اولى لكنها مذهلة، فكرة أن أقف خلف الكاميرا وأظهر على الشاشة، ممتعة مثيرة، ربما أصبح مشهورة ونجمة وهذا حلم جميل”.

وتضيف “أشاهد الأفلام أحيانا لكنني لاأفهمها كلها بل أعتمد على ايماءات الوجه، واميل للكورية منها، اليوم صرت واحدة من أولئك الأبطال الذين أراهم على الشاشة، وما يزال أمامي طريق طويل لأصبح ممثلة ولو كنت صماء”.

مسؤولية اجتماعية وأرواح تستحق

تقول دينا ناصر مخرجة الفيلم والمؤسس المشارك في المنصة، إنها استلهمت إنشاء المنصة بعد العمل على Amplified.”سكون: حيث تقول “لقد رأيت عن كثب التحديات التي يواجهها الصم في صناعة السينما، وأردت إنشاء مساحة يمكن أن يكون لهم فيها صوت، حيث يمكن للصم سرد قصصهم بطريقتهم الخاصة ويمكن فيها سماع ورؤية ذلك”.

 تجربة ناصر في فيلمها ليست الأولى بل قدمت سابقا فيلما وثائقيا طويلا في 2019 “أراوح صغيرة”، وبحسبها أن الفن والمخرج لا يعني الالتزام بنوع واحد من الأفلام بل التجريب والاكتشاف، ومن خلال تلك التجربة التي اثارت فضولها تقول عنها، “خضت في سكون قصة حساسة وصعبة التنفيذ وواجهت تحديات في الإنتاج، حيث عملنا من الصفر معا مع بطلة الفيلم الصماء، وتعلمت الكاراتيه، ووجدنا ان هنالك فصلا في نوادي الكاراتيه بين الناطقين وغير الناطقين وهذه كانت احدى المعضلات”.

ومن هنا كانت “مسموع” بحسب ناصر، المنصة التي ترجمتها على أرض الواقع: “نتيجة تفاعلنا مع عالم الصم والتحديات التي يواجهونها، وكصناع افلام لدينا مسؤولية والتزام في احداث التغيير ومساعدة الفئات المهمشة والتي تحتاج للتغيير  في مجتمع فتح لنا ايديه واستقبلنا بحفاوة.

من خلال تجرتبها تشكل ناصر علاقة وثيقة مع مشاريعها وشخصيات أفلامها كما فعلت في فيلمها الوثائقي “أرواح صغيرة”/ نقلت التجربة نفسها لـ”سكون”. ووفق قولها؛ “أتعامل معها على أنها شخصيات إنسانية وتحتاج لبناء الثقة ومعرفة من أجل إنجاز العمل، وأركز في أبحاثي وقصص أعمالي على الفتيات لاحتياجهن في هذا المجتمع  إلى الدعم، حيث يتعرضن للضغوطات الكبيرة في المجتمع خاصة الفتيات في أول 7 سنوات حيث تتشكل خبراتهن المعرفية والسلوكية وتؤثر بهن بعمق”

وخلال عملها على مشروع الفيلم وفكرته قابلت الكثير من الفتيات اللاتي تعرصن للتحرش والنساء اللاتي اختبرن تجارب ومواقف صعبة ولم يشاركن او يتحدثن عنها وأبقينها طي الكتمان، و”انفتاحهن معي منحني مسؤولية اكبر للتحدث عن الموضوع، وخوض التجربة”، بحسب ناصر.

وما يزال يتردد صدى فيلم “سكون” الذي اختير للمنافسة في مسابقة الأفلام القصيرة في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في جدة نهاية العام الحالي في دورته الثالثة.

علاوة على ذلك، فإن “سكون” بمثابة تذكير بأن الفن ورواية القصص لغات عالمية تتجاوز الحواجز. من خلال تصويره لنضالات هند وانتصاراتها، فإنه يدعو المشاهدين من جميع الخلفيات للتواصل معها على المستوى البشري، مما يدفع إلى التفكير في أهمية إنشاء مساحات آمنة وشاملة للجميع.

ولادة “مسموع”  كمنصة رقمية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بـ”سكون” هي شهادة على تأثير الفيلم، من ثم اطلاق مبادرة  المنصة بالتعاون مع مركز الأمير علي للصم والمركز الثقافي البريطاني كداعم ضمن برنامج “الأشخاص ذوو الإعاقة والفنون”، وتوفير مساحة لمنشئي المحتوى الصم للتعبير عن أنفسهم ومشاركة قصصهم والتثقيف من خلال محتوى التعليم بلغة الإشارة العربية. مما يمثل تطورًا ضروريًا في المشهد الإعلامي، حيث يجب الاحتفال بالتنوع والشمولية وتشجيعهما.

وعلى أمل الوصول لجمهور واسع من الصم محليا وعربيا فإن لمسموع صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، ليسير صانعي الأفلام وورواة القصص على هذه الخطى.

وبذلك، سيضمنون أن تصبح جوقة الأصوات في المشهد الإعلامي ممثلة حقًا للنسيج الغني للتجارب البشرية. حيث تكمن قوة سرد القصص ليس فقط في قدرتها على الترفيه ولكن أيضًا في قدرتها على التواصل والتمكين وتغيير العالم للأفضل.

المصدر الغد