القولُ إن قطاع التكنولوجيا ” قطاع مُستفيد” من جائحة كورونا يحتاجُ الى تقييم كمي ونوعي وينقص مثل هذا التصريح الدقة. تستقبلُ شركات القطاع العام الجديد بكل تفاؤل العالم وعزم عامليه رغم أن واقع الحال في قطاع التكنولوجيا والعام في نهايته هي كالآتي: توقف عدد من الشركات ومن الرياديين عن العمل، الجامعات وكُليات العلوم التطبيقية وكُليات الحاسوب أُغلقت أبوابها والاختراع بالحد الأدنى، لم تعمل مُختبرات البحوث والتحليل العلمية ما عدا الصحة، لم تعمل الشركات التي كانت قادرة على العمل بشكل كامل ومُنعت من إعادة الهيكلة وتراكمت نفقات الشركات وزاد الاقتراض والاعتماد على التسهيلات، الغيت المُؤتمرات وتأجل نشاط البحث والتطوير وعمليات التكنولوجيا ولقاء الخبرة والسفر.
بالواقع الحركة بمُجملها تقلصت فيما عدا الندوات الافتراضية على المنصات العالمية من مثل زووم، والتي أظهرت قوتها من ناحية تقديم المُحتوى عندما تم استخدامها بسرعة لتسيير الأعمال وللتواصل بسبب الظرف الطارئ، وليس لإتمام الصفقات المالية الكُبرى “أون لاين” بالمعنى الشامل، وكان النسق وهي المُلاحظة الأولى في مسألة التحول الرقمي لدينا أثناء الجائحة. ثانيا: وبمرور وقت الجائحة، أصبحت شركات التكنولوجيا لا تعتمد على بند تطوير الأعمال انما على رأس المال، والاحتياطي ومن المُساهمين اما بشراكات دولية أو تحت بندي الأرباح المُدورة وايراد البيوع السابقة وأعمال الصيانة. وما قيل يوما عن استفادة قطاع التجزئة، المواد الغذائية مثالا، فستدفعُ الدولة مثله بفاتورة الرعاية الصحية لما ينجمُ من أمراض مُتعلقة بعدم الحركة والضغط الذي نال من الاقتصاد.
الشيء الواضح هو أن الجائحة قد قلبت بيئة الأعمال راسا على عقب ثم تأخرنا في مُؤشر المعرفة وكورونا جعلت الوضع خرابا في خراب ولا يوجد اليوم “مُستفيد” بهذا المعنى! الموجود ُهو الأمل ورؤية لأردن عصري بميزات وأدوات تنافسية خففت بداية من أثر القضية العُمالية عندما تبنت شركات القطاع على وجه السرعة آلية للعمل عن بعد، هذا بعد ان قامت بالتسريع لغيرها من القطاعات بأدوات وحلول وتطبيقات تكنولوجيا أثرت بسلاسل التوريد وبالتعليم وبالتجارة والحكومة الالكترونية.
والأخيرة تم توظيفها بعُجالة ما سرع باعتقادي من نقاش الفجوة الرقمية وليس من نقاش التحول الرقمي! فبعد الضغط الذي تعرضت له الشبكات يتبين الآن أن المشروع الأهم هو بإيصال خدمات الانترنت (فايبر) الى كل واي مكان في المملكة وبذات الجودة والسُرعة المُتوافرة عالميا لدى الجيل الخامس. ونقترح هُنا أن تتعاون هيئة تنظيم قطاع الاتصالات مع القطاع الخاص الرسمي لتطوير مشاريع تكنولوجيا ذات أثر، وتوظيف بعض من مواردها الوفيرة لتدريب الجيل الخامس من المُهندسات والمُهندسين الأردنيين في تكنولوجيا الجيل الخامس وهو أهم مشروع تنافسي قادم للاقتصاد، من وجهة نظر تنموية. شهدت الشبكات أثناء الأزمة ازديادا في حجم التعاملات والدفوعات المالية على الشبكة ما سيعني الأمن الاقتصادي، وسيحتاج بحق الى خطة بذاتها! ويُمكن الاستفادة من تجارب البنوك الرائدة ثم ولنستحضر نجاعة مُؤسسة الأمن السيبراني بُمجملها باقتراحات تحصين الشبكات وتمتين المُؤسسة ما سيعني الرصد المُستمر للحركات المالية، زيادة الانفاق على تكنولوجيا الصد، وتدريب المُبرمجين والمُقرصنين المدنيين، إدارة الجودة وفحص وصيانة المنصات من خبرة المُستخدم ومن بين ذلك: الغاء التصفح غير الآمن على شبكات غير آمنة أو عامة، الدخول الفردي المُوحد، الهوية الرقمية الإلكترونية، وأمن النُظم السحابية.
وفيما يتعلق بالتوجه العام، فالمطلب أن يكون توجها ابداعيا تشاركيا بدلا من توكيد الدور الرقابي وحده، من مثل منصة الكترونية جاءت بالتعاون بين شركات الاتصالات والقطاعات، وعبر تطبيق اسمه (بوتيم) والتوجه الإبداعي، أصبح التطبيق المذكور مُلكية فكرية وبنكاً للمعلومات ولينافس من الاقليم وبوقت قياسي، بعالمية التطبيقات الأخرى مثل (واتساب). ومن قطاع البريد البداية برصد ميزانيات مُحددة لمشروع مُحدد بفكرة كبيرة، واتمامه ضمن فترة زمنية. وهنا نظراً للازدياد المُتسارع في عدد الطرود البريدية (المحلية) والدولية، يُمكن ان يكون المشروع هو بإدخال مُؤسسة البريد حالاً الى عمق التجارة الالكترونية عبر شريك استراتيجي، ونقترح هنا الخبرة الاسكندنافية التي جعلت من البريد ناقلاً وبنكاً ومركزاً مُجتمعياً، فالبريد موجود أمامنا بموارده كافة لكن يحتاج لاجتراح اجراء جديد ليربط ما بين مواقع البيع والبريد بخاصية الدفع الالكتروني وما بين مُستهلك! ثم توصيل البضائع عبر موقع الكتروني واحدPortal وبنية تحتية قوية. كما ويُمكن نقل مُتعلقات البريد الالكتروني وادارته من وزارة الاتصالات وغيرها الى البريد الأردني، فلن يوجد رسائل ورقية بعد اليوم وهو من اسمه (بريد) ورقياً كان ذلك أم الكترونياً! وفي التجارة نقترحُ (اتفاقية تجارة حُرة للتجارة الالكترونية) على مستوى الإقليم لتبدأ بدول قليلة مع التوسع بالإعفاءات الى حين، ما سيزيد من حركة التداول والتجارة البينية بالواسطة الالكترونية، وقد يُشرف على هذا غُرف التجارة والصناعة بالتعاون مع البريد.
لقد سُعدنا جميعا بإصدار قانون تنظيم أعمال الشراكة بين القطاعين العام والخاص، الذي تأخر بدوره مع الجائحة ولا يُعلم بمشاريع تكنولوجيا مُقترحة ليشملها القانون وما تم بثه من خدمات الكترونية للعموم كانت اما مجانية تطوعية، أو غير شاملة بدون انخراط شركات القطاع الخاص الرسمي، وعليه نجد بالقانون فرصة لإمكانية التعاون بين القطاعين في المشاريع الكبُرى.
وفي مسألة الميزانيات فالقناعة بانه من غير المُمكن توقع النتائج ذاتها التي تحققت في دول مجاورة بمحدودية الميزانيات لدينا هنا، مُقارنة برؤية الأردن الطموح نحو التحول الرقمي. وعند رصد الاختلاف في مسألة توظيف التكنولوجيا لتسيير الأعمال يتبين أثر وجود الميزانيات من عدمها على تحقيق النتائج.
ووزارات بعينها قد قطعت أشواطا وأخرى لم تبتدئ بعد، فلماذا تمكنت وزارة العدل من أتمته عدد من الإجراءات نحو التحول الرقمي (40 خدمة)؟ وما هي الميزة الموجودة في وزارة الصناعة والتجارة التي مكنتها من اصدار خدمات الكترونية للجمهور (14 خدمة)، أو في مُؤسسة الضمان الاجتماعي؟ وكيف ولماذا لم تتمكن وزارة الصحة من ذلك على الاطلاق وماذا كان العائق؟ ما هي المُحددات الموضوعية لكل جهة بعينها؟ وهل يوجد خُطط تنفيذية خاصة بتفاصيل الوحدات الصغيرة. وأخيراً وبعد كل السنين من هو المسئول بالضبط عن هدف عريض من مثل اجراء “عملية تحول” في البلاد؟ وهكذا لا بد أن نعرف، فنظرة قريبة على نمط الاستخدام وتوقعات المُستخدم لدينا، ستأخذنا الى ذات الاختناقات في الخدمة العامة قبل التحول، وهو ما لا يمكن حدوثه ما سيجعل من بند (هيكلة ادارة وموظفي التكنولوجيا المُتخصصة في الدولة)، هو المشروع الثاني الأهم بعد تقديم خدمات (الفايبر)، ثم لتوظيف هذه الموارد المُدربة في الوزارات الأخرى للعمل عن قرب مع الجمهور عبر بوابات الخدمة العامة والمُساعد الالكتروني الآلي والذكاء الاصطناعي.
وأهم شيء حصل عندنا هو ان الجائحة أظهرت أهمية التكنولوجيا والشركات، واثبت القطاع بأنه هو القُدرة التنافسية التي جعلت اقتصاد الاردن مرنا خلال الأزمة، كما أظهرت تحوط الأردني وخياله الإبداعي بتقدم الاردن في مُؤشر التنمية البشري. والهدف الآن هو الخروج من هذا المأزق وبسرعة، فكل هذا سيمضي.