بقلم: المهندس أيمن مزاهرةالشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة إس تي إس

التحول الرقمي في الأردن – التنفيذ هو الأهم!

في العموم يعرف التحول الرقمي بعملية دمج وتبني التقنيات الرقمية في جميع مجالات العمل، ما يغير بشكل أساسي كيفية عمل القطاعات بمختلف مجالاتها وكيفية تقديمها للقيمة المضافة وآلية تقديم الخدمة للعملاء وطالبي الخدمة، وينطوي التحول الرقمي في بعض الأحيان على تغيير في رؤية القيادة وطريقة التفكير وتشجيع الابتكار وطرح نماذج الأعمال الجديدة، بما في ذلك رقمنه الأصول وزيادة توظيف التكنولوجيا لتحسين تجربة متلقي وطالبي الخدمة وأصحاب المصلحة.  ونرى في الأردن توجها حثيثا نحو تحقيق التحول الرقمي بشكل صحيح، خصوصا عقب إطلاق الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي في الأردن والتي أراها واعدة بشكل كبير، وإنها لو طبقت بطرق تتبنى نماذج الأعمال الجديدة وبحوكمة عالية سوف تُحدث نقلة نوعية على مستوى المملكة. ومن هنا وجب علينا التنفيذ بشكل صحيح ليس عبر وضع الخطط فحسب، بل عن طريق العمل على تحفيز الثقافة الرقمية المؤسسية، ووضع طريق محدد الأهداف يشمل تحديد جدول زمني للمشاريع ومتابعتها بشكل دوري من جهة عابرة للحكومات. إضافة لتوظيف التقنيات الحديثة والكفاءات القادرة على تنفيذ المشاريع بشكل كفؤ يمكننا من التقدم ومن ثم رؤية النتائج الرقمية المرجوة على أرض الواقع.

تدخل القطاع الخاص واجب…ويد واحدة لن تصفق!

قبل الخوض في تفاصيل كيفية الاستفادة من خبرات القطاع الخاص لدعم الجهود الحكومية، علينا بداية أن ننظر في إنشاء بنية تحتية قادرة على استضافة التقنيات المطروحة بأنواعها، وبنك معلومات وطني يحوي بيانات مرجعية للحكومات والأفراد. ولأن متطلبات التحول الرقمي كبيرة، أشدد اليوم على أهمية تفعيل التعاون بين القطاعين الحكومي والخاص (PPP) لبناء وإدارة الأعمال عبر تبني نماذج تعاون ناجحة ومجربة كإدخال مبدأ التعهيد بينهما (Outsourcing) أو مبدأ (BOT) (مبدأ البناء، التشغيل، نقل الادارة) والتركيز عليه لإنجاز مشاريع عديدة، الأمر الذي قد ينتج عنه تنفيذ أسرع للخطط خصوصاً عندما تتحمل الشركات الخاصة ذات الخبرة الطويلة جزءاً من المسؤولية ناهيك عن جاهزيتهم العالية مما يُسرِع من عجلة التحول الرقمي والتطبيق الأمثل للخطط ويوفر فرص عمل متعددة تحد من البطالة عوضا عن إثقال كاهل الحكومة بالبحث عن الكفاءات المناسبة واستقطابها وتعيينها، الأمر الذي يقلل بشكل كبير من الوقت والنفقات ويسهم بتقليص الأخطاء. إضافة إلى ما ستشكله مثل هذه النماذج من دعم للشركات المحلية المتميزة وطرح مجالات تعاون جذابة ذات جدوى اقتصادية للطرفين، وتتيح للحكومة المجال للتفرغ للتخطيط والحوكمة ووضع التشريعات، بما يشمل المشاريع المراد تفعيلها ومتابعة سير الأعمال وفقا للخطط الموضوعة، بينما توّكل القطاع الخاص للقيام بالتنفيذ العملّي، سواء عن طريق مبدأ BOT أو عن طريق مشاركة الواردات حيث تم اعتماد هذا النموذج إقليميا وعالميا وحقق نجاحات عدة على صعيد التحول الرقمي.

لنتشارك المهام والمسؤوليات لنجني الثمار سوياً..

ومن مجالنا، كلي ثقة أن شركات تكنولوجيا المعلومات الأردنية الواعدة هي أكثر من قادرة للعب دور أساسي بعملية التحول الرقمي في المملكة خصوصاً انها قد نجحت بذلك في الخارج بل وأثبتت تفوقها على شركات العالمية في الكثير من محاور الاستراتيجية والتكنولوجيا الحديثة التي تدعم تطبيقها كتمكنها من تقديم الحلول السحابية وإدارة عمليات حلول الأمن السيبراني وحماية المعلومات، توظيف تقنيات الدفع الرقمي وتطبيق الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات وغيرها الكثير.

وهناك تواجد لعدد كبير من الشركات المحلية والشركات الناشئة وحاضنات أعمال متخصصة بريادة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتي يشار اليها بالبنان خصوصا في مجالات الحلول السحابية وحلول الأمن السيبراني. إضافة لتمكنها من تحقيق إنجازات في مجال التحول الرقمي في العديد من القطاعات كقطاع البنوك والتعليم وغيرها وتنفيذ مشاريع متقدمة على مستوى المنطقة ككل وذلك بفضل الخبرات العاملة بها والمقومات التي تتيح لها الإمكانية للإنجاز كتوفر مراكز بيانات محلية وفي المنطقة.  وهذا الأمر أن دل على شيء فأنه يدل على الإمكانات الرقمية المحلية الموجودة بوفرة في القطاع الخاص وبتخصصية عالية. 

الثقافة الرقمية أساسية لتحقيق تغيير ملموس 

وبشكل موازٍ، يجب التركيز بشكل كبير على الخبرات الوطنية المتمكنة وتوظيف الذكاء الاصطناعي ليشكل نقطه التقاء ما بين المواطنين والحكومة وليس العكس، إضافة إلى التركيز لأن يتم تطبيق التحول الرقمي بما يناسب الشعب وثقافته، وتأسيس جيل يمتلك المؤهلات والكفاءات الرقمية عبر تضمينها في المواد الأساسية التي يتلقاها الطلاب في المدارس والجامعات، والبدء بتدريب الكوادر الحالية والعمل على ترسيخ الثقافة الرقمية بأذهانهم ليكونوا أكثر مرونة وتقبلاً للتغييرات القادمة. وأزيد على ذلك أنه يتم باستمرار استقطاب كفاءاتنا للعمل في الدول المجاورة وذلك لجدارتهم بتحقيق إنجازات كبيرة في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بشكل عام.

وفي الختام، ولتحقيق الهدف المنشود، أرى أنه بات من اللازم أن نبدأ العمل على وجه السرعة لنتمكن من اللحاق بالركب، وأن نأخذ قرارات تتسم بالجرأة لنتقدم ونرتقي رقميا لبناء اقتصاد رقمي تنافسي على مستوى العالم والإقليم، حيث نرى أن الكثير من قصص نجاح التحول الرقمي في المنطقة هي بقيادات أردنية وخصوصا في دول الخليج. كما علينا أن نعمل على ترسيخ الثقافة الرقمية ومفهوم التحول الرقمي ومدى أهميته لدى الجهات المختلفة وموظفيها، وتوضيح كيفية أن تبني التحول الرقمي هو أمر يخلق فرص عمل ويحسن من تجربة المواطن ويساهم بالتقليل من الأخطاء وممارسات الفساد، كما يدعم الاقتصاد بشكل كبير ويدفعه ليصبح اقتصاداً رقمياً وخدمياً بامتياز، الأمر الذي يخلق فرصاً أكبر للأردن بتصدير هذه الخدمات للمنطقة كخطوة لاحقة.