قصةُ ثقةٍ ممزوجة بالإبداع الثائر على عادات المجتمع الظالمة للمرأة وإمكانياتها

انطلقت رائدة الأعمال الأردنيّة نور الحسن في شركة ترجمة بناءً على حاجةِ النّساءِ للعملِ، فوظفتهنّ وراهنت عليهنّ فنجحت، لتثبتَ اليومَ أنّ النّساءَ يستطعن تحقيقَ النّجاحِ والتّميّزِ في عالمِ الأعمالِ، ولا يحتجن لأكثرِ من منحهنّ الفرصة المناسبة في مجتمعٍ يصرّ على تركهنّ في المنزلِ لرعايةِ العائلةِ، فكيف نجح رهانها على النّساءِ؟.

من هي نور الحسن؟

هي رائدةُ الأعمالِ الأردنيّةُ نور الحسن التي حصلت عام 2001، على ليسانس حقوق من جامعةِ عمان الأهلية في الأردن، كما أنّها كانت زميلةُ معهد اسبن في أميركا بين عامي 2015 و2017، إضافةً لحصولها على شهادةٍ في القانون ودورةٍ تدريبيّةٍ في الذّكاءِ الاصطناعيّ من جامعة محمد بن زايد للذّكاء الاصطناعيّ.

وإضافةً إلى الترجمةِ، أسّست قبلَ عدّةِ أعوامٍ منصّة أريد، ومهمتها الرّبطُ بين المواهبِ وأصحابِ العملِ الذين يبحثون عن خدماتٍ احترافيةٍ في إنشاءِ المحتوى وترجمتهِ.

بداية شركة ترجمة

ولدت فكرةُ إنشاءِ شركةِ ترجمة، خلال عملِ نور الحسن مع إحدى المنظّماتِ الدّوليّةِ، حين لاحظت وجودَ ضعفٍ في مستوى التّرجمةِ، وصعوبةً في الوصولِ إلى الشّركاتِ المحترفةِ بهذا المجالِ، مع وجودِ حاجةٍ ماسةٍ لسدّ ثغرةِ النقصِ الحادّ في المُترجمين والمترجماتِ الأكفاءِ، لتعلنَ عن تأسيسِ ترجمة عام 2008 في الأردن، قبل أن تنتقلَ إلى أبوظبي.

تُترجم الشّركةُ إلى 55 لغةٍ عالميةٍ، إضافةً إلى أكثر من 20 لهجةٍ عربيّةٍ، وبحسبِ بياناتِ الشّركةِ، فإنّها تعاملت مع ملياراتِ الكلماتِ والعباراتِ، وتمتلكُ خمسة مكاتب فعليّة في منطقة الشّرق الأوسط.

وتضمُّ ترجمة التي بدأت كمكتبٍ صغيرٍ في منزلِ نور الحسن، أكثرَ من 35 ألفِ خبيرٍ متخصّصٍ اليوم، و90% من موظّفيها هنّ من النّساءِ، اللّواتي تولي رائدةُ الأعمالِ الأردنية أولويةً كبيرةً لتمكينهنّ ومنحهنّ فرص عملٍ.

بداية منصة أريد

لم يتوقّف طموحُ المحاميةِ الأردنيّةِ عندَ حدودِ ترجمة، ففي منتصفِ عام 2017، أطلقت منصّة أريد، التي تقدّمُ خدماتها للشّركاتِ والأفرادِ الباحثين عن فرص عملٍ، في التّدقيقِ وكتابةِ المحتوى والتّرجمةِ وغيرها.

تقولُ نور الحسن في مقابلةٍ سابقةٍ مع موقعِ العربيّةِ نت: إنّ الموظّفين المستقلين يستطيعون أنْ يعملوا من خلالِ منصّةِ أريد في الأوقاتِ التي تناسبهم مع اختيارِ نوعِ العملِ الذي يلائمُ كفاءاتهم.

لا نجاح بدون تحديات!

ليس من السّهلِ الوصولُ إلى النّجاحِ، كما أنّه لا يمكن الوصولُ إليه بدونِ تحدّياتٍ، هذا ما يدركهُ روّادُ ورائداتُ الأعمالِ جيّداً، حيث تصفُ نور الحسن عملها بغير السّهل، خصوصاً مع تزايدِ الطّلباتِ على التّرجمةِ، والحاجةِ إلى تنسيق العمليّات لتلبية احتياجات العملاء.

في ردّها على سؤالٍ صحفيّ خلال عام 2019، حولَ أبرزِ التّحدّياتِ التي واجهتها كامرأةٍ، قالت رائدةُ الأعمالِ الأردنيّة: إنّ العملَ بحدِّ ذاته تحدٍّ سواء للرّجالِ أو النّساءِ، وتضيفُ بأنّها لا تعتبر الأمرَ كمسألةِ جنسٍ، فليس من السّهلِ أبداً بدء شيءٍ جديدٍ.

كان تطويرُ ترجمة رحلةً صعبةً، خصوصاً حين كان الأمرُ يتعلّقُ بالتّمويل والتّوسّعِ، التّحدّي الذي تغلّبت عليه نور، بمساعدةِ فريقٍ، تصفهُ بالموهوبِ، إضافةً إلى خبراتهم في إنشاءِ المحتوى والتّرجمةِ، ما أدّى لحصولهم على المزيدِ من النّموّ والازدهارِ، على حدّ تعبيرها.

ترى المحاميةُ ورائدةُ الأعمالِ، أنّ اختيارَ الفريقِ المناسبِ هو الخطوةُ الحاسمةُ لأيّ شركةٍ، وهو التّحدّي الأكبرُ الذي يمكنُ أن يحلّ كثيراً من التّحدّياتِ الأخرى لاحقاً، كما تؤكّدُ على أهميّةِ تطويرِ المهاراتِ والتّدريبِ الذي يجبُ أن يكون جزءاً لا يتجزّأ من استراتيجيّةِ الشّركةِ.

وتؤكّدُ أنّ الالتزامَ واختيارَ الحلفاءِ المناسبين، أمرٌ كافٍ للتّغلّبِ على كلّ التّحدّياتِ والوصولِ إلى النّجاحِ المطلوبِ في نهايةِ المطافِ.

الجوائز

بعد 15 عاماً من تأسيسِ ترجمة والمكانة التي وصلت إليها الشّركةُ، تقولُ نور إنّها تشعرُ اليوم بالفخرِ والاعتزازِ بنجاحها بتأسيسِ شركةٍ حقّقت فارقاً حقيقيّاً في المجتمعِ، حيث حصلت ترجمة على جائزةِ أفضل شركة صغيرة عن فئةِ التّكنولوجيا عام 2019.

كما حصلت نور الحسن على عدّةِ جوائز متعلّقة بالإبداعِ وريادة الأعمالِ، من بينها جائزة الشركات العربية الصغيرة والمتوسّطة الناشئة في دبي، إضافةً إلى جائزة إرنست آند يونغ لروّاد الأعمال عام 2018.

ورغمَ كلّ النّجاحاتِ التي حقّقتها رائدةُ الأعمالِ الأردنيّة من خلالِ منصّةِ ترجمة، إلّا أنّها ما تزال تمتلكُ طموحاً كبيراً باستمرارِ النّجاحِ والتّوسّعِ وزيادةِ عددِ الخدماتِ والعملاءِ، وهو الطّموحُ المشروعُ في عالمِ ريادةِ الأعمالِ.

ما هو الأثر الاجتماعي الذي حققته؟

مع تركيزها على توظيفِ النّساءِ ومنحهنّ فرص عملٍ دائمةً، يبدو أنّ منصّةَ ترجمة ومؤسّستها قد أحدثت أثراً اجتماعيّاً لا يمكن تجاهلهُ في المنطقة العربيّة.

فمنصّةُ ترجمة حلّت بالفعلِ مشكلةَ النّساءِ، وأتت لتلبيةِ حاجتهنّ للعملِ وتحقيقِ التّمكينِ الاقتصاديّ، خصوصاً أنّ نحو 60% من خريجي وخريجاتِ اللّغاتِ في الأردن هنّ من النّساءِ.

وتقولُ نور في لقاءٍ سابقٍ مع بي بي سي، إنّ غالبيةَ العاملاتِ في ترجمة هنّ: أمهاتٌ، ومن الصّعبِ عليهنّ البقاءُ في المكاتبِ بين الـ 9 صباحاً والـ 5 ظهراً.

ويحلّ نظامُ العملِ عن بعدٍ مشكلةَ النّساءِ في غالبيةِ مجتمعاتِ الشّرق الأوسط، خصوصاً مع استمرارِ تداولِ الصورةِ النّمطيّةِ التي تفيد بأنّ مكانَ المرأةِ في منزلها ومع أطفالها، بينما يخرج الرّجل للعملِ، إذ تستطيعُ النّساء من خلال هذا النّوع من الأعمال البقاء في المنزلِ وتحقيق أحلامها المهنيّة، ريثما تسمحُ الفرصةُ بالحصول على مجتمعٍ يتضمّنُ العدالة الجندرية وعدم التّمييزِ القائمِ على أساس النّوع الاجتماعيّ.

لم يعد من الممكنِ تجاهلُ قوّةِ تأثيرِ النّساءِ في مجال ريادة الأعمال اليوم، ولا في أيّ مجالٍ آخر أيضاً. ومن المُلهمِ حقّاً وجود نساءٍ نجحن باستثمارِ مواهبهنّ في عالم ريادة الأعمال، لمساعدةِ نساءٍ أخرياتٍ كما في نموذج رائدةِ الأعمالِ نور الحسن؛ النّساءُ دائماً يستطعن حين يكتشفن القوّةَ الكامنةَ بداخلهنّ ويتحررن من قيود المجتمع وتأثيرِ الأعرافِ السّائدةِ.