تقرير لمؤسسة التمويل الدولية إلى جانب البنك الدولي من خلال برنامج تمكين المرأة في المشرق
عندما تفشت جائحة فيروس كورونا في لبنان في أوائل عام 2020، واجهت ماريان عيتاني، وهي أم عاملة تبلغ من العمر 32 عاماً، واقعاً جديداً حيث أوقفت مسيرتها المهنية المزدهرة في مجال التجميل الطبيعي حتى تتمكن من البقاء في المنزل ورعاية طفليها، رجاء (عامان) ومحمد (7 أعوام).
يعمل محمود الشريف، زوج ماريان، ممرضاً في إحدى المؤسسات الصحية اللبنانية التي تقود جهود التصدي لجائحة كورونا. وزادت الحاجة إليه في عمله أكثر من أي وقت مضى. لم تستطع ماريان اللجوء إلى أقارب آخرين لمساعدتها في رعاية طفليها؛ فوالدة ماريان متوفية وحماتها مسنة ومريضة. ونتيجة لذلك، فكرت ماريان ومحمود في الاستعانة بمربية لرعاية طفليهما أثناء تواجدهما في عمليهما، لكنهما أقلعا في النهاية عن الفكرة بسبب التكاليف بالإضافة إلى المخاطر الصحية.
ثم في ظهيرة أحد الأيام، تلقت ماريان اتصالاً هاتفياً من مديرتها، المؤسسة المشاركة لشركة بيزلين أبيثيرابي – وهي علامة تجارية لبنانية للعناية بالبشرة تأسست عام 1993. قالت مديرتها “أعرف أنك قلقة بشأن ماذا ستفعلين مع رجاء ومحمد. وقررنا أنه يمكنك العمل من المنزل والبقاء مع طفليك؛ فقط حافظي على سلامتك واعتني بنفسك”.
شعرت ماريان فوراً بأن حملاً ثقيلاً انزاح عن كاهلها ووصفت المكالمة بأنها هدية من السماء. وأتيحت لها فرصة العمل من المنزل خلال الساعات التي تناسبها، مما سهل عليها تقاسم مسؤوليات رعاية الطفلين مع زوجها؛ إذ يعمل الاثنان في مواعيد مختلفة. تقول ماريان: “إذا أرادت مديرتي أن نعقد اجتماعاً، فكل ما عليها أن تبعث برسالة عبر تطبيق واتساب”.
إن التحدي الذي واجهته ماريان ليس فريداً من نوعه. في الواقع، هو واحد من تلك التحديات التي واجهتها العديد من النساء العاملات أو ستواجهها في مرحلة ما من حياتهن؛ ومع الأسف فاقمت جائحة كورونا مثل هذه التحديات. غير أن الأمر الفريد هنا هو ترتيبات العمل المرنة التي حظيت بها ماريان، لاسيما بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث وصلت مشاركة المرأة في قوة العمل لأدنى مستوياتها على الإطلاق.
وتحقق ماريان نجاحاً في عملها منذ انضمامها إلى شركة بيزلين عام 2010. وهو ما يرجع في جانب منه إلى سجل الشركة الحافل في وضع موظفيها في المقام الأول. فالشركة رائدة في القطاع الخاص اللبناني عندما يتعلق الأمر بأهداف المساواة والتكافؤ بين الجنسين، بما في ذلك على المستويات العليا من الإدارة. وعن جهود الشركة لتقنين مدونات قواعد السلوك لديها، قالت ماريان: “لدينا القيم، ولدينا العقلية، والآن نعمل على وضع السياسات”.
تغيير الخطاب: من التحديات إلى الحلول
لتوسيع الفرص المتاحة أمام النساء مثل ماريان، دخلت مؤسسة التمويل الدولية – إلى جانب البنك الدولي من خلال برنامج تمكين المرأة في المشرق – في شراكة مع أكبر جمعيات الأعمال في العراق والأردن ولبنان لإنشاء جمعية في كل بلد تسمى “منصة التعلم من الأقران لتوظيف النساء”، بهدف إلحاقهن بالعمل واستبقائهن ضمن القوى العاملة. وقد استفادت هذه المبادرة من مبتكرات التكنولوجيا كأداة لتسهيل عمل المنصة وقت تفشي الجائحة مما ساعد على التحول إلى الفضاء الافتراضي.
أولاً، أجرت مؤسسة التمويل الدولية دراسة استقصائية بين الشركات الأعضاء في شريكيها في كل من الأردن ولبنان وهما جمعية تكنولوجيا المعلومات في الأردن (Int@j) وغرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان ((BML-CCIA). واستناداً إلى الدراسة الاستقصائية التي شملت ما يربو على 85 شركة في كلا البلدين، أصبح من الواضح أن معظم الشركات لديها احتياجات للتعلم تتعلق بوضع سياسات العمل التي تحقق تكافؤ الفرص وتنفيذها، وتعزيز التنوع بين الجنسين في المناصب القيادية، والتصدي للتحرش الجنسي، ووضع نماذج مرنة لساعات العمل والعمل من المنزل وتطبيقها.
وكشفت هذه الدراسة الاستقصائية أن بعض الشركات بدأت بالفعل في تطوير ممارسات تتسم بالمرونة وتراعي الظروف الأسرية في أماكن العمل. وسعت مؤسسة التمويل الدولية إلى أن تتعرف شركات أخرى على ممارسات العمل المراعية للظروف الأسرية في تلك الشركات، لذلك تهدف إلى الجمع بين هذه الشركات ومجتمع الأعمال الأوسع في العراق والأردن ولبنان لتسهيل تبادل المعرفة وتبني الممارسات الجيدة بشأن النهوض بتوظيف النساء.
نهجنا: منصة التعلُّم من الأقران لتوظيف النساء
تم إطلاق “منصة التعلم من الأقران لتوظيف النساء” قبل تفشي جائحة كورونا مباشرة، وتجمع بين أكبر أرباب العمل في العراق والأردن ولبنان بصورة منتظمة من أجل المشاركة في القضايا المتعلقة بالتنوع بين الجنسين في أماكن العمل. وأقيمت تسع ندوات تعليمية عبر الإنترنت في البلدان الثلاثة شاركت فيها نحو 195 شركة: 33 شركة في العراق، و90 شركة في الأردن، و72 في لبنان. وتناولت تلك الندوات مجموعة متنوعة من الموضوعات على النحو التالي:
- الصحة النفسية والقدرة على التكيف والرفاهة في أماكن العمل
- سياسات العمل التي تتسم بالمرونة وتراعي الظروف الأسرية ومستقبل العمل
- جدوى ومبررات العمل للنساء اللائي يضطلعن بأدوار غير تقليدية
قالت الدكتورة سلمى النمس من اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة: “من بين الدروس الرئيسية التي تعلمتها خلال السنوات الست التي قضيتها في منصب الأمين العام أن الشراكات تلعب دوراً رئيسياً في حل التحديات المعقدة؛ وعندما نعمل يداً بيد، يمكننا أن نجعل المستحيل ممكناً وأن نبلغ أهدافنا”.
ومن بين الأهداف الأخرى لمنصة التعلم من الأقران إلقاء الضوء على أمثلة للممارسات الجيدة التي تعزز المساواة بين الجنسين.
وفي الأردن، نُشرت ثلاثُ من دراسات الحالات حول دمج المزيد من الموظفات والإبقاء عليهن في سوق العمل. وأظهرت واحدة من دراسات الحالة كيف تساند شركة Estarta Solutions، وهي شركة متخصصة في التعهيد، النساء في القطاعات غير التقليدية. وسلطت دراسة حالة أخرى الضوء على كيف تروج شركة “أُمْنية“، وهي شركة أردنية لتشغيل شبكات الهاتف النقال، لسياسات مكافحة التحرش في مكان العمل. كما أوضحت دراسة الحالة الثالثة كيف تعمل مجموعة قعوار، وهي مجموعة قابضة للاستثمارات والتشغيل، على تعزيز السياسات التي تراعي الظروف الأسرية في مكان العمل.
وقالت هناء نعمة، مديرة الموارد البشرية في غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان: “بوصفنا شركاء أساسيين في هذه المبادرة، نرى أن منصة التعلم من الأقران في لبنان أداة فعالة لإشراك الشركات الأعضاء لدينا في غرفة بيروت وإنشاء مجتمع من الجهات الفاعلة في القطاع الخاص التي تعمل معاً على دعم المشاركة الاقتصادية للمرأة في لبنان”.
دور الرجال
بينما تظل مشاركة المرأة أمراً بالغ الأهمية، فإننا نحتاج أيضاً إلى تحركٍ من جانب الرجال في المناصب القيادية لإجراء التغييرات اللازمة لتحقيق التحول المنشود. وفي إطار منصة التعلم من الأقران، تم تنظيم “منتدى للمسئولين التنفيذيين الذكور” من جلستين في أبريل/نيسان ومايو/أيار 2021 في الأردن ولبنان. وركز المنتدى على قيم التنوع، والإنصاف، والشمول في قيادة أنشطة الأعمال، كمااستعرض السبل التي تتسم بالتنوع والشمول والتي تستطيع من خلالها مجالس الإداراة وفرق القيادة العليا تعظيم المنافع.
وشارك في المنتدى 18 من الرؤساء التنفيذيين/المسؤولين التنفيذيين من الرجال، بتمثيلٍ متساوٍ من الأردن ولبنان.
الذهاب أبعد من تبادل المعرفة
سعياً لتحفيز القطاع الخاص، نظمت “منصة التعلُّم من الأقران لتوظيف النساء” في كل بلدٍ مسابقةً بين الشركات لتقديم الدعم لها في تحقيق أهدافها المتعلقة بالتنوع بين الجنسين في قوة العمل. وفازت بالمسابقة شركتا “وكلني” في لبنان ومؤسسة “لومينوس للتعليم” للتعليم والتدريب المهني والفني في الأردن، وبالتالي يحصلان على مساندة من مؤسسة التمويل الدولية والشركاء في المنصة من خلال تقييم الفجوات بين الموظفات والموظفين. واستناداً إلى نتائج هذه التقييمات، ستعمل المؤسسة مع الشركتين على وضع خطة عمل على نطاق كل شركة لسد الفجوات والتباينات بين الجنسين بعد تحديدها ومساعدة كل شركة على بلوغ أهدافها المتعلقة بالتنوع وإشراك الجنسين.
وبينما يبدأ العالم في التعافي من آثار جائحة كورونا، نأمل أن تواصل جميع الأطراف المعنية المشاركة في هذه العملية تدعيم أنشطة أعمالها من خلال النهوض بتوظيف النساء.
وكما تقول ربا درويش، عضو مجلس إدارة شركة “إنتاج”، والمدير العام لمجموعة BmB، “إن هذه الشراكة دليل حي على ما يمكن أن نفعله معا لتحقيق أهدافنا ودعم المرأة محلياً وإقليمياً”.
تم إعداد هذه القصة الرئيسية في إطار برنامج تمكين المرأة في المشرق. ويقدِّم هذا البرنامج المساعدة الفنية للعراق والأردن ولبنان لتقوية البيئة الداعمة لمشاركة النساء في النشاط الاقتصادي، وزيادة الفرص الاقتصادية المتاحة لهن. ويعد هذا البرنامج إحدى مبادرات للبنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية بالتعاون مع حكومتي كندا والنرويج. ويأتي تمويله بشكل أساسي من الصندوق الشامل للمساواة بين الجنسين، مع مساهمات من حكومات أستراليا وكندا والدانمرك وفنلندا وألمانيا وآيسلندا ولاتفيا وهولندا والنرويج وإسبانيا والسويد وسويسرا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة ومؤسسة “بيل وميليندا غيتس”.