أكد الرئيس التنفيذي للصندوق الأردني للريادة (ISSF) ليث القاسم، أن الصندوق -في مسار عمله الاستثماري المباشر وغير المباشر- استثمر منذ انطلاقته قبل ثلاث سنوات في 17 شركة ناشئة و10 صناديق استثمارية، فضلا عن مساهمته في مشاريع وبرامج عدة ضمن مسار عمله الثاني الذي يهدف الى تعزيز وتطوير بيئة ريادة الأعمال في المملكة.
وأوضح القاسم أن الصندوق -ضمن مسار الاستثمار المباشر- قد استثمر حتى الآن 2.6 مليون دولار في 11 شركة ناشئة، كما تم تطوير أداة استثمارية جديدة لإسناد الشركات الأردنية الابتكارية ما بعد جائحة كورونا ضمن مبادرة “مستقبل مبتكر”؛ إذ قام الصندوق لغاية الآن بالاستثمار في ست شركات بقيمة 900 ألف دولار (ما يعني أنه جرى الاستثمار بشكل مباشر في 17 شركة ناشئة).
وقال، في حديث خاص لـ”الغد”: “إن الصندوق ضمن مسار الاستثمار غير المباشر قد استثمر في 10 صناديق استثمارية واثنين آخرين في المراحل الأخيرة”.
وأوضح أن الاستثمار في الصناديق الاستثمارية هو استثمار “غير مباشر”، بمعنى أن الصندوق لا يستثمر في الشركات الأردنية مباشرة، وإنما في صناديق استثمارية لتقوم هي بدورها بالاستثمار بالشركات الأردنية.
وأكد أهمية هذا المسار لأنه يسهم في جلب صناديق استثمارية خارجية إلى المملكة يستمر عملها إلى ما بعد انتهاء مدة عمل الصندوق الأردني للريادة، لافتا الى أن صناديق الاستثمار تغطي المراحل المختلفة للشركات الريادية، من مرحلة النمو المبكر إلى النمو الناضج.
وقال “غالبية هذه الصناديق هي صناديق عالمية وإقليمية أصبح لديها اهتمام بالسوق الريادي الأردني بسبب الاستثمار غير المباشر فيها من الصندوق الأردني للريادة، ومن ضمنها الصندوق الصيني “MSA” و”أرزان فينتشر كابيتال” الكويتي و”Flat6Labs” المصري و”شروق بارتنرز” الإماراتي، إضافة لصناديق عدة أخرى”.
وزاد “يمكنني القول إن الصناديق العشرة الأخيرة لم تكن لتبادر بالتركيز على السوق الأردني لولا عملنا”.
وشركة الصندوق الأردني للريادة، التي انطلقت رسميا بمبادرة من البنك المركزي في شهر أيلول (سبتمبر) من العام 2018، هي شركة مساهمة خاصة مملوكة من البنك المركزي الأردني والشركة الأردنية لضمان القروض برأسمال قدره 98 مليون دولار، وبتمويل من البنك المركزي الأردني بقيمة 48 مليون دولار والبنك الدولي بقيمة 50 مليون دولار، ليصبح أكبر صندوق استثماري من نوعه بالمملكة وينتهي في تشرين الثاني (نوفمبر) 2023.
ويتوقع أن يستثمر الصندوق خلال سنوات عمله في 150 إلى 200 شركة ابتكارية محلية من خلال الاستثمار المباشر وغير المباشر “الصناديق الاستثمارية”، وأن يعمل على تدريب ورفع كفاءات 825 رائد أعمال ومؤسسة صغيرة ومتوسطة على الأقل لتأهيلهم للاستثمار.
أهمية المهارات الإدارية للشركات الناشئة
وعن مستوى الأفكار الجديدة في بيئة ريادة الأعمال الأردنية، ومنها التي تتقدم للحصول على الاستثمار بشكل مباشر أو غير مباشر، قال القاسم “من الناحية التقنية، لا يوجد ضعف في وجود الأفكار الفنية في الأردن، والدليل على ذلك أن نسبة عدد الشركات الناشئة التي يقودها الأردنيون أكبر من غيرهم في المنطقة العربية”.
بيد أنه أكد “أن الكفاءات والمهارات الإدارية التابعة للشركات الناشئة لم تصل بعد إلى مستوى المهارة التقنية التي نملكها”، لافتا الى أن الكثير من الصناديق الاستثمارية في الخارج يتطلعون إلينا كـ”نبع” من الأفكار التقنية، لكنهم يرفدون هذه الشركات برؤية إدارية مختلفة عن الرؤية الإدارية الأردنية التقليدية.
وأشار الى أهمية جلب الاستثمار الأجنبي والإقليمي لشركاتنا لإثراء المهارات الإدارية الأردنية بكفاءات مختلفة وذات فائدة أكبر ومناسبة أكثر للأسواق العالمية.
ما التحدي في الاستثمار؟
وفي هذا السياق، قال القاسم “هنا أود أن أنوه إلى تحدٍّ في الاستثمار ناشئ عن فرق التوقعات بين الريادي وصندوق الاستثمار أو المستثمر، فالريادي كلما أحرز تقدمًا أو نضجت شركته الناشئة زادت أهمية وجود الكفاءات والمهارات الإدارية في عين صندوق الاستثمار أو المستثمر، وخاصة في الصناديق التي تستثمر في شركات في مرحلة النمو الناضج، فهم يبحثون عن النضوج الإداري لأنهم يستثمرون في مؤسسة أو شركة لا في الأفراد، بعكس الاستثمارات المبكرة حيث يكون الاستثمار في الفرد والفكرة. لذا ينبغي للريادي أن يبلغ النضج في الفهم الإداري وأن يدرك ويبني احتياجات الشركة بما يتطابق مع توقعات المستثمر”.
دعم شبكات المستثمرين في مرحلة الفكرة
وأكد أهمية دعم تنظيم شبكات المستثمرين في مرحلة الفكرة (Angel Network) على أن يدعموا المبادرات الاستثمارية المبتدئة لمساعدتها على الوصول إلى مراحل استثمارية لاحقة، لافتا الى أن هذا يعد جزءا من دور الصندوق في تغيير الثقافة الاستثمارية في الأردن، لأن الاستثمارات المبكرة من “المستثمرين في مرحلة الفكرة” تعمل على تجهيز الريادي للمرحلة التي تليها: شركة ناشئة، ومن ثم يمكنهم الدخول على شركات النمو المبكر وتجهيزها لمرحلة النمو الناضج.
مسار تطوير البيئة الريادية
وفي سياق متصل، تحدث القاسم عن دور الصندوق في مساره الثاني، وهو مسار تحسين وتطوير بيئة ريادة الأعمال في الأردن، وقال “الصندوق دعم برنامجاً لتمكين الريادة وتطوير المهارات الريادية من خلال تدريب 8 أفواج حتى الآن ضمت ما مجموعه 375 رائد ورائدة أعمال وأصحاب شركات ناشئة قائمة أو جديدة على تنمية قدراتهم وتمكين مسارهم وتجهيزهم لجعل شركاتهم قادرة على استقطاب الاستثمار من الجهات الاستثمارية المختلفة”.
وأكد أن البرنامج مستمر لتدريب 4 أفواج أخرى ليصبح مجموع الرياديين المدربين 600 ريادي وريادية أعمال، مشيرا الى أن البرنامج ذاته يوفر أيضًا 75 منحة بقيمة 20 ألف دولار لكل منحة بحد أقصى، بهدف دعم خطط كفاءة ونمو الشركات الصغيرة والمتوسطة المبتكرة القائمة، لتعزيز قدرتها التنافسية وزيادة قيمة عملها، حيث يخدم البرنامج مجموعتين رئيسيتين من الشركات الناشئة: الشركات الناشئة في مرحلة التأسيس، والشركات الناشئة في مرحلة النمو.
تطوير حاضنات الأعمال
أما ضمن برنامج تطوير الحاضنات والمسرعات، فقال القاسم “إن الصندوق قام بدعم مسرّعتين، هما أويسس 500 وThe core- HTU؛ حيث يتوقع منهما المساهمة في تسريع عمل 30 شركة ناشئة خلال 3 سنوات، الى جانب دعم 5 حاضنات تتركز خدماتها في مجالات عمل جديدة يمكن أن تفتح آفاقًا استثمارية وعملًا اقتصاديًا جديدًا في الأردن، وهذه المجالات هي: الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي وتقنية التعليم والتقنية الخضراء والخدمات اللوجستية والضيافة وتدوير المخلفات العضوية”.
وأشار الى قيام الصندوق بدعم شبكة مستثمرين في مرحلة الفكرة (Angel Network) مع “بيوند كابيتال” بهدف توسيع المصادر التمويلية الأولية المحتملة لرواد الأعمال في الأردن.
وأكد أن الصندوق بصدد إطلاق منصة إلكترونية بالتعاون مع جمعية “إنتاج” لتكون بوابة تفاعلية وترويجية للشركات الناشئة الأردنية نحو حصولها على فرص استثمارية، موضحا أن هذه المنصة ستحتوي على قاعدة بيانات متكاملة تضم الرياديين والممولين والمستثمرين في ريادة الأعمال في مكان واحد.
وبالإجمال، وعن أثر الصندوق في الاقتصاد وفقا لآخر الأرقام، قال القاسم “إنه مع نهاية الربع الأول من العام 2021، استفادت 38 شركة أردنية و687 موظفًا أردنيًا من استثمارات الصندوق الأردني للريادة، من بينهم 321 امرأة، و445 من فئة الشباب تحت سن الثلاثين عاما”.
المحافظات وريادة الأعمال
وعن الحديث الدائم عن ظلم المحافظات في مجال دعم ريادة الأعمال، قال القاسم “إن التهميش موجود لكنه غير متعمّد”، عازيا ذلك إلى الاختلاف في الثقافة والخبرة العملية، إضافة إلى البُنى التحتية وإدراك مفهوم ريادة الأعمال والقطاعات التي يمكن دخولها هناك. لكن الأمر نفسه ينطبق على غرب عمان مثلاً؛ حيث إن هناك مجالات لا يعرفونها، مثل تدوير المواد العضوية.
وأضاف “أن تركيز الشباب في ريادة الأعمال على التكنولوجيا، يجعلهم يحبذون إنشاء الشركات في العاصمة نظرًا لتوفر البنية التحتية ووجود المقدرة على اعتماد الدفع الإلكتروني واستخدام البطاقات الائتمانية”.
وأكد أنه لابد من وجود اهتمام أكبر بشمولية الاقتصاد، فمثلًا الاستثمار بحاضنات السماد العضوي له علاقة بالأمن الغذائي الوطني وهذا مجال مهم وله علاقة بالمحافظات، حيث الاهتمام الزراعي أكبر من العاصمة، إضافة إلى استثمار الصندوق في حاضنة العقبة التي تغطي مجالات أقرب لاحتياجات العقبة، وهكذا ينبغي النظر بشكل أكثر شمولية وتقييم قابلية الناس للاستفادة من دعم أعمال جديدة.
مقترحات لتحسين بيئة الريادة
وعن المقترحات لتحسين بيئة ريادة الأعمال، أكد القاسم أهمية الاتفاق والشراكة بين القطاعين العام والخاص في تحديد التحديات الوطنية وأدوار كل منهما للمساهمة في حلها، وتحديد السياسات التي من خلالها تفسر وتطبق القوانين الموضوعة.
وقال “لا أعتقد أن القوانين الأردنية سيئة بحد ذاتها، بل إن الخلل يكمن في تطبيق القانون على نحو غير موجه وفق سياسات وأهداف اقتصادية واضحة”.
القوانين وهجرة الرياديين
ويرى القاسم أن العلاقة بين الحكومة والقطاع الخاص ليست كما ينبغي لها أن تكون. وقال “لا شك أن هنالك تحسنا؛ حيث قامت وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة بتطوير استراتيجية جديدة، لكن ما يزال هنالك قدر غير كافٍ من الثقة على المدى البعيد بشأن تطبيق القوانين الأردنية لفئة الشركات الناشئة وغيرها، لذا نرى الناجحين يفضلون نقل شركاتهم لبيئات أعمال ريادية أكثر استقرارًا وذات تطبيق قابل للتنبؤ بالنسبة للقوانين”.
وأوضح أن التفسيرات الحكومية المُتغيرة للقوانين ما تزال مرتبطة بحل مشكلة حجم العجز المالي للحكومة، وهذا يؤثر سلبًا على الشركات جميعها وليس فقط الناشئة منها، والسبب ما يعنيه ذلك من صعوبة المقدرة على تنظيم العمل وتخطيطه وتنفيذه، حيث يبحث رواد الأعمال عن بيئات عمل قابلة للتنبؤ لوجود سياسات تنمية اقتصادية تطبق القوانين من أجل تحقيقها، وهذا ما لم نصل إليه بعد أو على الأقل لم نصل إلى مرحلة النضوج الكافي في العلاقة بين استخدام القوانين لتحقيق أهداف اقتصادية بدلًا من تحقيق أهداف حكومية، وهذا مرتبط بشكل أساسي بعدم وضوح الأدوار بين القطاعين العام والخاص.