حينما يذكر مصطلح “الذكاء الاصطناعي”، يلمع في عقل الكثيرين ذكريات الفيلم الهوليودي “I robot” الذي تدور أحداثه في المستقبل، تحديدا في العام 2035، حين تطورت التكنولوجيا وصنعت آليين فائقي القدرات يساعدون البشر في جميع الأنشطة الممكنة وكيف أن الآلة في النهاية كانت تسعى للسيطرة على العالم.
قد تكون هذه بذرة الخوف الأولى التي زرعت من أفلام الخيال العلمي التي صورت الآلة والتقدم التكنولوجي كخطر يهدد البشرية، فخلال الأعوام الأخيرة، قفز التطور في تقنية الذكاء الاصطناعي قفزات كبيرة، ومع ظهور العديد من الدراسات والأبحاث التي تؤكد خطر الذكاء الاصطناعي على الوظائف، وجب السؤال: هل على الإنسان أن يخاف منها؟
في دراسة أصدرتها شركة الاستشارات المهنية الأميركية ماكنزي، العام 2019، توقعت أن 800 مليون عامل على مستوى العالم سيفقدون وظائفهم بحلول العام 2030، وسيتم استبدالهم بالأنظمة الآلية، فيما سيحتاج نحو 357 مليون شخص إلى تعلم مهارات جديدة وتغيير وظائفهم إلى وظائف مطلوبة في سوق العمل.
كما قامت جامعة بنسلفانيا بالمشاركة مع منظمة “أوبن أيه آي” الأميركية لأبحاث الذكاء الاصطناعي، بنشر ورقة بحثية لدراسة الآثار المحتملة لتقنيات الذكاء الاصطناعي في سوق العمل بالولايات المتحدة، وخلصت إلى أن ما يقرب من 80 % من القوى العاملة في الولايات المتحدة ستتأثر بنسبة 10 % من مهام عملها بسبب الذكاء الاصطناعي، وسوف تستولي تقنيات تعلم الآلة على 49 % من مهام العمل الرئيسية بها.
وأضافت الورقة، أن التأثير يمتد ليشمل جميع مستويات الأجور مع تعرض الوظائف ذات الدخل المرتفع إلى التأثر الأكبر، مما يشير إلى أن هذه النماذج يمكن أن يكون لها آثار اقتصادية واجتماعية وسياسية ملحوظة.
وأوضحت الورقة البحثية أن علماء الرياضيات ومصممي الواجهات الرقمية من أعلى الوظائف المهددة، مشيرة إلى أن المهن التي تعتمد بشكل كبير على مهارات التفكير العلمي والنقدي هي أقل عرضة للتشغيل الآلي.
بينما ستكون الوظائف التي تتطلب إتقان مهارات البرمجة والكتابة أكثر عرضة للتشغيل الآلي، وكان من بين المهن المعرضة للخطر بسبب الذكاء الاصطناعي، بحسب الورقة؛ المحاسبون وموظفو الضرائب والصحفيون والمحللون الإخباريون، فيما بقيت مهن أخرى بعيدة عن التهديد، مثل الرياضيين وعمال البناء والطهاة والرسامين، فضلًا عن بقية الأعمال الحرفية كالنجارة والسباكة ونحوها.
ووفق خبراء، فإن هنالك مخاوف في قطاع الأعمال من الذكاء الاصطناعي، وهذا الخوف دفع البعض منهم لأن يبحث عن فرص أخرى تتماشى مع الذكاء الاصطناعي حتى لا يفقد فرصته بالعمل، مؤكدين بذلك ضرورة عدم التخوف من التطور والتقدم التكنولوجي وعامل التغير الذي سيكون له دور إيجابي في حياة الإنسان.
ويرى الرئيس التنفيذي والمؤسس لشركة “ستارت آبز” محمد خواجا، أن عامل التغيير في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي من الممكن أن يكون مسببا أساسيا لخوف الإنسان من فقدان الوظائف، مبينا أنه يمكن للتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي أن يحل بديلا عن العمالة البشرية في بعض الأعمال والصناعات، مما يؤدي إلى تقليل الوظائف المتاحة، ولذلك، يشعر العديد من الأفراد بالقلق بشأن مستقبلهم المهني وفرص العمل.
ولكن، من جهة أخرى، يمكن أن يساعد التعلم وتطوير المهارات الجديدة التي تتماشى مع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في الحفاظ على الفرص والتنافس في سوق العمل، بحسب خواجا، موضحا أنه كما قدمت الثورة الصناعية في القرن الماضي اختفاء العديد من الوظائف وظهور وظائف أخرى، فإن الثورة الصناعية الرابعة التي نعيش أيامها، الآن، تشهد اختفاء وظائف وظهور وظائف وفرص عمل أخرى.
ويشير خواجا الى أن هنالك وظائف ستختفي، خصوصا تلك التي تخلو من الابتكار ويمكن أتمتتها، وستظهر وظائف جديدة أكثر تعقيدا ولا يمكن للآلة أو الذكاء الاصطناعي استبدالها، إضافة الى الوظائف المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، مثل تطوير وإعداد وإدارة وتجريب الأنظمة الذكية وهندسة كتابة الأوامر في الأنظمة الذكية للخروج بأفضل النتائج عند التفاعل مع تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
ومن جهة أخرى، يبين خبير الأمن السيبراني المهندس مجدي القبالين، أن سوق العمل يتأثر إيجابا بالذكاء الاصطناعي وليس سلبا، مشيرا الى أن الأفراد لديهم فكرة خاطئة عن الذكاء الاصطناعي من حيث أنه سيحتل وظائف أشخاص آخرين والمنظور ليس بهذا الشكل في الحقيقة بل بالعكس، إذ سيخلق فرص عمل أكثر مما هو موجود الآن.
ويوضح القبالين أن جزءا كبيرا من مصاريف العمل التي يخسرها الشخص الآن كنفقات، قد يحلها الذكاء الاصطناعي، ليكون بذلك صافي الدخل للفرد وبقيمة أكبر.
ويقول “إذا نظرنا للمصانع التي سوف تصنع الذكاء الاصطناعي وكذلك الآلات التي ستضع البرمجة، هي في النهاية جميعها من عمل الإنسان نفسه”.
ويشير القبالين إلى أن الأعمال التي سيستبدل بها الإنسان بالذكاء الاصطناعي معروفة وواضحة، فهو لا يقدر أن يأخذ دور الممرض حاليا؛ إذ إن هنالك أمورا طبية حساسة، وصحيح أن هنالك عمليات تقوم بها روبوتات، ولكن هذا لا يعني أن يحل بديلا عن الطبيب المختص.
ويوضح القبالين أن الأشخاص لديهم فكرة بأن هنالك من سيأخذ مكانهم، كما أن لديهم خلطا كبيرا بين الأتمتة الصناعية والذكاء الاصطناعي، مبينا أن مفهوم الأتمتة الصناعي يشير إلى التحكم في الآلات والعمليات المستخدمة في الصناعات المختلفة بواسطة أنظمة مستقلة تعتمد على التقنيات التكنولوجية الحديثة، فعندما نرى ذراعا تتحرك وتلحم السيارة في مصنع ما، فهذا ليس ذكاء اصطناعيا، بل أتمتة اصطناعية موجودة بالعالم من 40 عاما، وليس أمرا جديدا، بينما الذكاء الاصطناعي مختلف، فهو طريقة لأن تجعل الآلة تحلل البيانات بشكل قريب للإنسان.
ويبين القبالين أن تطبيق “شات جي بي تي” الذي يستخدم تقنية التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي الذي طرحته شركة (OpenAI) في العام 2022، حظي باهتمام وانتشار واسعين عبر العالم، خاصة لأنه مبني على تقنية توليد نصوص ومحادثات شبيهة بتلك التي ينتجها البشر، وفكرته ليس أنه يفكر عن الإنسان، بل هو عبارة عن “مودم” موجود به موارد من الإنترنت من مليارات الصفحات والكتب، وعندما يسأل الفرد عن أمر معين، فيأتي هو ما لديه من معلومات عن السؤال يلخصها بطريقة قريبة للغة الإنسان، وهو بذلك لم يبتكر أمرا جديدا.
ووفقا لذلك، يؤكد القبالين أنه لا داعي للخوف، بل العكس، فالذكاء الاصطناعي أمر إيجابي، وبالنهاية هو سيسهل الحياة أكثر على الإنسان.
ومن جهة أخرى، يبين المستشار الإعلامي والمدرب المتخصص بالتسويق والعلاقات العامة بشير مريش، أنه في الوقت الحالي وكون مفهوم الذكاء الاصطناعي يعد جديدا نوعا ما، يمكن القول إن هنالك العديد من رجال الأعمال والرياديين الذين يبحثون عن فكرة لمشروع يتماشى مع الذكاء الاصطناعي، وهذا لتحقيق مفهوم ركوب الموجة والصعود معها في حال أصبح للذكاء الاصطناعي رواجا.
ومن وجهة نظر مريش، فإن هذه المخاوف في غير محلها، كون الدراسات كافة أشارت الى أن الذكاء الاصطناعي سوف يحسن من جودة الأعمال، وسوف يفتح المجال لفرص أخرى لأولئك الذين أخذت فرصهم للتعويض عنها في مجال آخر.
وبمجمل الحديث، فإن الذكاء الاصطناعي سوف يأخذ من فرص العمل في الدول الصناعية، أما الدول في العالم الثالث التي قد تستفيد من هذه التكنولوجيا في المستقبل، فليس هنالك جزم أن الأمر سيكون سلبيا، فلا خوف مبررا على موضوع فقدان الوظائف.
هذا، ويشير التقرير العالمي الصادر عن مؤسسة Insights Oxford البريطانية، الذي يقيس جاهزية الحكومات لتبني تقنيات الذكاء الاصطناعي، إلى تقدم الأردن خلال العام 2022، إلى المرتبة السادسة عربياً والمرتبة 63 عالمياً، متقدما 17 درجة في المؤشر العام مقارنة بالمرتبة 80 في تقرير العام 2021.
ويختتم مريش حديثه، بأن كل جديد بسوق العمل سوف يسبب الخوف للعامل، وقد قيل الكلام ذاته وحدث التخوف نفسه عند دخول الحاسوب والكمبيوتر، وبشكل عام، يشعر الإنسان بالخوف من المجهول والتغيير بسبب نوع من التكنولوجيا، لذا نرى انعكاس هذا التغيير على الخوف من المستقبل والبدء بالبحث عن وظائف أو استثمارات جديدة تتماشى مع عصر الذكاء الاصطناعي.