يؤكد خبراء أن للتحول الرقمي دورا كبيرا في إنفاذ الشفافية وتحقيق العدالة والقضاء على ظاهرتي الواسطة والمحسوبية التي تسعى الحكومات جاهدة لمواجهتها في المؤسسات الرسمية.
ويشيرون إلى أن تقديم الخدمات وإجراء المعاملات إلكترونيا يوفر الكثير من الجهد والوقت والنفقات على جميع الأطراف، وبخاصة المواطنين.
وتقول القانونية وخبيرة تكنولوجيا المعلومات المحامية ضحى عبدالخالق: «إن الدول الأقل فساداً بالعالم بعامة هي الأعلى بنسب توظيف التكنولوجيا والأسرع في مُؤشر التحوّل الرقمي، وذلك لقدرتها أولاّ على الوصول للبيانات المُتراكمة، وهى بدورها تتوسع بشكل متسارع، وثانيا: عندما تحللها للوصول إلى نسق الفساد والتخطيط لمكافحته في أكثر من جانب ومفصل ما يجعلها إدارة حُكومة ذكية».
وتقترح عبدالخالق، اعتماد قضية التحوّل الرقمي للمؤسسات في الأردن مؤشرا أساسيا من مؤشرات مكافحة الفساد، ثم إعلان نسب التحول الرقمي المُنجزة لدى كل مؤسسة مؤشرا للأداء» كخطوة أولى.
وتؤكد أن من أهم تجليات الشفافية في العمل الإداري العام اليوم «منع التدخل البشري عند تقديم الخدمات الحكومية والمعاملات وسير الإجراءات برسومها ومصاريفها؛ ما يمنع التلاعب بالقيم المالية».
وتقول: إن من شأن منصات الشراء المُوحد والعطاءات المؤتمتة «ضمان التنافس الشريف بشفافية وبدون محسوبية أو وساطة عندما تكون الشروط مُعلنة والمعلومة مُشتركة».
وتؤشر عبدالخالق إلى عمليات التتبُّع، وتقول إنه لا يُمكن عكس حركة أو إجراء إلا بقيود جديدة، ما يكشف التدخل البشري بالقيود المالية وغيرها من المعلومات العامة.
وتوضح أن الأدوات موجودة وهي عبارة عن منصات تتبُّع وتحليل بيانات «زماني مكاني مرئي ومسموع»، يمكن تطويرها محليا في الأردن كجهد مُشترك بين الحكومة والقطاع الخاص وبالإنفاق المقصود بالاستثمار بالتكنولوجيا من أجل مُكافحة الفساد بمختلف أشكاله.
وتلفت إلى أن هناك عددا من الشركات الأردنية المحلية تعمل بجهد مميز في هذا المجال.
وفي هذا الشأن يقول الرئيس التنفيذي لهيئة تنظيم قطاع الاتصالات المهندس بسام السرحان أن التحول الرقمي يحافظ على موارد الدولة ويوجهها بشكل فعال.
ويتفق رئيس هيئة المديرين في جمعية شركات تقنية المعلومات والاتصالات أمجد صويص مع السرحان وعبدالخالق في أن التحول الرقمي يساهم كثيرا في إلغاء الواسطات والمحسوبية والخدمات المتبادلة؛ لوجود نظام عامل واضح يقدم خدمات محددة ولا تتدخل به القرارات الشخصية.
ويلفت صويص إلى أن الهدف من التحول الرقمي هو «خلق بيئة من المساواة والعدالة» في موضوع تقديم الخدمات الحكومية وشبه الحكومية للأفراد والابتعاد عن القرار والرأي الشخصي، حيث يكون هناك وضوح وسند للقرار الذي يتم اتخاذه.
والتحول الرقمي، بنظره، أداة وطريقة لتحقيق العدالة والشفافية بتقديم المعاملات للأفراد والأشخاص بعيدا عن مقدم الخدمة، وهو مبرمَج لتقديم الخدمة ضمن النظام.
ويشدد صويص على أن إنجاح التحول الرقمي يستدعي توافر شروط للقيام به؛ «فلا بد من وجود البنية التحتية الصحيحة والتصميم المناسب للمواقع»، والأهم: لابد أن «تقدم جميع الخدمات بصورة متكاملة».
وينبه إلى أنه ينقصنا «التخطيط الصحيح للخدمات وتكاملها». وضرب مثالا أنه: يمكن إصدار شهادة رقمية من وزارة الصناعة والتجارة «لمن يهمه الأمر»، لكن يجب تصديقها من الوزارة ذاتها، وهنا «سيضطر المستخدم لطباعة الشهادة والذهاب إلى الوزارة وتصديقها، فتصبح الخدمة بلا جدوى.
لذلك، والحديث لصويص، «جزء مما نحتاجه هو التخطيط الصحيح للخدمات التي تصدر وتكاملها مع بعضها».
ويستدرك بالقول: إن هذا لا يعني أن اصدار الشهادة رقميا هي خدمة سيئة، بل هي ممتازة، ولكن لابد أن تكون الخدمة متكاملة، وتطويرها بحيث تصدر الخدمات مع بعضها بعضا في الوقت ذاته.
ويشير صويص إلى أن المملكة حققت قفزة جيدة في الخدمات المؤتمتة، ولكن: «الأهم ضرورة وجود تحول إلكتروني».
ويبين أن هناك فرقا بين الأتمتة والتحول الإلكتروني، حيث أن الأخير «يقدم لك خدمات ذكية متكاملة ويجعل المهام تعمل بكفاءة أكبر بدون تفاعل بشري»، أما الأتمتة؛ فهي «عملية تحويل البيانات المادية إلى شكل رقمي».
وهو لا يستبعد حصول بعض المشاكل خلال التطبيق أو وجود أخطاء تقنية ونقص في الخدمات، وأن تكون هناك أخطاء بشرية، كأن لايكون لدى الشخص المعرفة الكافية للتعامل مع النظام، أكان مقدم الخدمة أو متلقيها » المستخدم»، لذلك لابد من تحديد المشاكل وحلها.
من جانبه، يؤكد المدير التنفيذي لشركة «إيكوتوكنولجي الأردن» يوسف العالِم أن التحول الرقمي يقلل من نسبة الخطأ في المعاملات أكان مقصودا أو غير مقصود.
ويقول العالِم: إن هناك أربعة بنود رئيسة يعمل التحول الرقمي على حلها:أولها: أن الفساد الإداري والمحسوبية ناجمان عن ضعف التوثيق في هوية متلقي الخدمة أكان مواطنا أو شركة، وهنا يأتي دور التحول الرقمي للتوثيق الصحيح للمواطنين ومتلقي الخدمة من خلال التوقيع الإلكتروني ومعرفة هوية الأشخاص والشركات ومتلقي الخدمات الحكومية.
أما البند الثاني، والأساسي، فهو: الأعمال الورقية بين المؤسسات والوزارات والهيئات، التي تعد أحد الأسباب التي تؤدي إلى الخطأ.
ويوضح العالم أن كل مؤسسة أو وزارة تحتاج للتواصل مع الوزارات الأخرى إلى استرداد البيانات عن طريق المعاملات الورقية؛ ما يفتح المجال للتلاعب في الأوراق الرسمية والمستندات، وهنا يأتي دور التحول الرقمي في الربط بين جميع المؤسسات بما ينعكس إيجابا على مصداقية الخدمات وعلى سرعة إنجاز المعاملات.
ويفسر بالقول: نتكلم عن أتمتة الخدمات التي يمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي جزءا منها والقدرة الإلكترونية للتحليل؛ فبدلا من أن يرتبط الإجراء بأشخاص يكون مرتبطا بنظام، بما يخفف الخطأ البشري نوعا ما.
ويبين أن هذا يحد من إمكان أن يكون الشخص المسؤول على عدم دراية بالتعليمات والقوانين أو عنده مجال للتصرف بالتلاعب بها من خلال المحسوبية ما يؤدي إلى مشكلة بالمعاملات ومشكلة في اتخاذ القرار ويفضي إلى الفساد والمحسوبية.
ويشدد العالم على أن الهدف من التحول الرقمي هو «التوثيق الصحيح وتعزيز الربط بين المؤسسات والدوائر الحكومية لأخذ المعلومة الصحيحة بأسرع وقت، ويقلل من الأخطاء البشرية الناتجة عن سوء فهم النظام أو التحايل عليه».
ويشير كذلك إلى أن التحول الرقمي يعمل على تسريع انتقال المعلومات بين المؤسسات والدوائر، وبما أن المعلومة سريعة فإنها أكيدة مئة بالمئة.
ووفقا لأرقام وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة في مجال رقمنة الخدمات الحكومية، فقد تم الانتهاء من رقمنة 118 خدمة حكومية خلال الأربع أشهر الأولى من العام الحالي 2023 ليصبح عدد الخدمات الحكومية المؤتمتة 750 خدمة.
كما يجري العمل على رقمنة نحو 300 خدمة سيتم اطلاقها خلال العام.
كما تم إطلاق نسخة محدثة من تطبيق «سند» الحكومي الذي يحتوي أكثر من 350 خدمة بالإضافة إلى مجموعة من التحديثات عليه، ما أدى رفع تقييم التطبيق على المتاجر الإلكترونية من 1.8 إلى 4.7.
كما سيتم العمل على إضافة 300 خدمة جديدة على التطبيق، علماً بأنه أصبح عدد المواطنين الذين لديهم حسابات على تطبيق سند الحكومي ما يزيد عن مليون ونصف مليون مستخدم وما يقارب 360 ألف حساب مع هوية رقمية مفعلة.
وتم الانتهاء كذلك من الإجراءات الفنية والإدارية الخاصة باستخدام بصمة العين في تفعيل الهوية الرقمية.
وفيما يخص تقديم الخدمات مكانيا للمواطنين، فقد تم افتتاح مركز الخدمات الحكومي الأول في المقابلين، حيث يُقدم خدمات بمعايير عالمية وتنافس القطاع الخاص في خدمة العملاء ورضا المتعاملين.
ويُعتبر المركز أكبر مركز لإصدار الجوازات في عمان الشرقية، ويقدم حاليا 74 خدمة حكومية.