وسط تنامي توصيات منظمات دولية معنية بقطاع التعليم ومختصين بالشأن التربوي إزاء التحول الرقمي في التعليم لا سيما بعد جائحة كورونا، عزز البرنامج التنفيذي لرؤية التحديث الاقتصادي للمبادرات والأولويات لقطاع التعليم هذا التوجه.
وبينما نصت إحدى المبادرات والأولويات التي تضمنها البرنامج التنفيذي لرؤية التحديث الاقتصادي لقطاع التعليم خلال العام الحالي على تطوير بنية تحتية رقمية مرنة تستجيب لمتطلبات واحتياجات التعليم، اتفق خبراء تربويون على أن الوزارة مدعوة الان لإعداد خطة أو إستراتيجية لتنفيذ هذه المبادرة كونها ستشكل علامة فارقة في تطور النظام التعليمي في الدولة، وفي شكل الإنسان الذي نريده للمستقبل.
وبينوا في أحاديثهم لـ”الغد” أن تطوير هذه البنية لا تتعلق فقط بالتجهيزات التكنولوجية او استكمال ربط المدارس بشبكة الإنترنت، بل تتناول أيضا التحول نحو التعليم الهجين، لافتين الى أن البنية التحتية الرقمية القوية ستضمن استمرار عملية التعلم والتعليم باعتبارها ركيزة أساسية لتحقيق جودة التعليم.
توظيف التكنولوجيا
وبهذا الصدد، قال وزير التربية والتعليم الأسبق الدكتور تيسير النعيمي إن مبادرة تطوير البنية التحتية الرقمية لقطاع التعليم تعد إحدى المبادرات المهمة جدا التي نص عليها البرنامج التنفيذي لخطة التحديث الاقتصادي.
وأضاف النعيمي أن الحديث عن تطوير البنية التحتية الرقمية للتعليم يعني الحديث عن مداخل متعددة ووسائط متعددة، لافتا الى أن هذه المبادرة بحاجة الى خطة تنفيذية تسبقها عملية تخطيط معمق لاحتياجات قطاع التعليم، والتي تضم مجموعة من الأنشطة الرئيسية والفرعية المتعلقة بهذه المبادرة.
وبين النعيمي أن تطوير البنية التحتية الرقمية للتعليم لا تتحدث فقط عن تجهيزات تكنولوجية او استكمال ربط المدارس بشبكة الإنترنت ورفع سعة هذه الشبكة وإنما عن أوجه متعددة تتعلق بكيفية استثمار وتوظيف التكنولوجيا لا سيما المتقدمة منها بحيث تحدث نقلة نوعية بالتعليم.
وأكد أن المقصود بتطوير البنية التحتية الرقمية ليس منصة إلكترونية وإنما توظيف هذه التكنولوجيا والوسائط الحديثة في العملية التعليمية من أجل إحداث تحول في عملية التعلم والتعليم التي تشمل تحولا في النموذج البيغادوجي التعليمي ليكون متمازجا، لينقل التعليم التقليدي إلى أفاق رحبة من التعليم الفعال والنشط بالإضافة إلى إحداث تحول بأدوار المعلمين والطلبة.
وأوضح أن نجاح هذه المبادرة يتطلب الإجابة عن مجموعة من الأسئلة، وإعادة النظر في تنظيم عناصر العملية التعليمية، فمثلا يجب إعادة النظر في ماهية التعلم وهذا يتطلب إعادة تخطيط المناهج بطريقة يتم فيها التعمق بالمفاهيم والتركيز على الجانب التطبيقي والمهاري في التعليم، ما يقتضي أيضا تخطيط وإعادة النظر في المناهج بصورة تخدم عملية التعلم الرقمي أو ما يسمى “المدمج” أو “الذكي”.
كما يتطلب الأمر، بحسب النعيمي، إعادة النظر في أساليب التقييم للطلبة، بحيث تكون أساليب شاملة متنوعة تتضمن التقييم البنائي والتشخيصي والختامي والمتزامن ويكون التركيز فيها على المهارات وليس على التلقين وحفظ المعلومات، وأن يصب ذلك كله في رسم رحلة التعلم للطلبة لتكون التقنيات الحديثة عاملا مهما ومساعدا في رسم رحلة الطالب للوصول لمرحلة التعلم المتمايز الذي يعتمد على دافعية ونشاط المتعلم وتبيان نقاط قوته وضعفه، فالتكنولوجيا تسعف كثيرا في رحلة التعلم من خلال توظيف التقنيات المتقدمة.
وبين أن تطوير البنية التحتية الرقمية تعني تحولا في نمط المناهج وتخطيطها وأساليب التقييم، وكذلك التحول في أداور المعلمين بحيث لا يكون دورهم تلقينيا بل ميسرين لعملية التعلم والتعليم، لكن المساحة الأكبر للتحرك تكون للطالب لكي يتعلم.
وأشار الى أن دور المعلم لا يقتصر على الكتاب، وانما يكون لتعددي المصادر، وعبر توظيف التكنولوجيا داخل الغرفة الصفية في مواقف متعددة، وهذا يتطلب تدريب وتنمية مهنية للمعلمين.
وتابع أن الوزارة لديها قاعدة لتبني عليها في هذا المجال، لكن لا بد من التوسع والارتقاء بما هو موجود لديها من منصات للتعلم، لافتا الى أن الوزارة عملت في جائحة كورونا على تطوير منصة “درسك” وكان هذا الخيار للضرورة من أجل التحول للتعلم عن بعد، في ظل وجود قرار حكومي بتعليق دوام المدارس.
ولفت الى أن التعلم المتمازج أو الهجين هو سمة العصر، واستفدنا كثيرا في جائحة كورونا من هذا المجال، ويجب أن نبني على ذلك ونأخذه لآفاق جديدة، والتوسع في التوظيف الذكي للتقنيات في التعلم، بحيث تتم الاستفادة من التكنولوجيا المعاصرة في عملية التعلم والتعليم داخل الغرفة الصفية وليس بالضرورة في أوقات الطورائ فقط.
وأشار الى أن العالم الان يتحول بأجمعه الى أنماط جديدة من توظيف التكنولوجيا المعاصرة في التعليم والتقييم وصناعة المناهج وإدارة العمليات المدرسية.
مطلوب إستراتيجية وطنية
بدوره يرى مدير إدارة التخطيط والبحث التربوي في وزارة التربية والتعليم سابقا الدكتور محمد أبو غزلة أن وزارة التربية مدعوة للتعاون مع وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة والجهات المعنية لإعداد إستراتيجية وطنية لتنفيذ مبادرة البنية التحتية الرقمية المرنة في التعليم.
وبين أبو غزلة أن هذه المبادرة ستحقق نقلة في التعليم، خاصة أن التعليم لم يعد يعتمد على المدرسة والعائلة فقط، بل أصبح يضاف إليه الشبكة العنكبوتية وأدواتها وخاصة بعد ظروف جائحة كورونا، مضيفا أن تمكين البنية التحية الرقمية في التعليم في مراحله جميعها ستمكن الطلبة من تحديد مستقبل الطالب العلمي والوظيفي، وستتيح له أيضا الالتحاق بسوق العمل.
وأشار الى أن البنية التحتية الرقمية القوية ستضمن استمرار عملية التعلم والتعليم باعتبارها ركيزة أساسية لتحقيق جودة التعليم، من خلال توفير وتبسيط المعلومات للمتعلمين وتصورهم للمفاهيم المجردة وتجسيدها، كما ستجعل التعليم والتعلم أسهل وأسرع على المعلم والمتعلم، وتزيد من كفاءة وفاعلية تعلمهم.
وعلى الصعيد الشخصي، بحسب أبوغزلة، سيكسبهم ذلك العديد من المهارات القيادية ومهارات التفكير الإبداعي والنقد والبحث، والتعاون، وحل المشكلات، وتنظيم وإدارة وقت التعلم، ومهارات التواصل والتعاون، وتساهم أيضا في سهولة وسرعة الوصول للمعلومات، كما ستزيل الفروقات الفردية في التعليم بين الطلبة نتيجة تعدد مصادر التعلم وأوقات التعلم التي يمكن للطلبة الرجوع إليها وقت الحاجة.
وطرح مجموعة من الأسئلة لتكون مجالات او مفردات ضمن خطط الوزارة ومنها: هل أعددنا الخطط التنفيذية لمبادرة الرؤية الاقتصادية ومنها هذه المبادرة الرامية لتوفير بنية تحتية رقمية مرنة للتعليم؟ وهل عملنا على تحليل عناصر النظام التعليمي المادية والبشرية والفنية والتقنية والإدارية ومدى قابليتها للتفاعل مع البنية الرقمية؟
كما تساءل: هل أعدت الوزارة المتطلبات الضرورية في الاستعداد لذلك، والاستفادة من الممارسات الدولية والمحلية خلال فترة التعلم عن بعد إبان جائحة كورونا؟ وهل دربنا كل المعنيين على متطلبات تمكين المهارات الرقمية لخلق قيمة إضافية لدى المعلمين والطالب والاهتمام بالبنية التحتية الرقمية؟
ورأى أبوغزلة أن الفرصة كبيرة الان كون الوزارة لديها بنية أساسية تكنولوجية يمكن البناء عليها في ضوء ما لدى الوزارة من منظومة للتعلم الإلكتروني ونظام لإدارة البيانات التربوية، ومنظومة تعليم، وإرث ضخم من المواد التدريسية التقنية التي تم تجهيزها إبان الجائحة.
ودعا إلى البدء في التشبيك والتعاون لوضع سياسة عامة للبنية التحتية الرقمية، تهدف إلى تحسين الإطار التنظيمي لتوظيف التكنولوجيا ووسائط تقنية المعلومات، والبدء في مراجعة التشريعات ووضع السياسات والإجراءات والقواعد اللازمة لتساهم في توسيع وتمكين البنية التحتية الرقمية بجميع أبعادها.
لوحة الإشراف الإلكتروني
بدوره، قال الخبير التربوي عايش النوايسة إن الوزارة تعمل استجابة للتوجهات الملكية من خلال مشروع التحديث الاقتصادي، والذي يشمل جميع القطاعات الخدمية والإنتاجية الحكومية، وبشكل تشاركي مع القطاع الخاص، على تطوير حقيقي للبنية الرقمية في جميع المجالات التعليمية والخدمية الإدارية المرتبطة بها.
وأضاف: “استكمالا لما بدأته الوزارة أثناء جائحة كورونا، عملت بالتعاون مع المركز الوطني للمناهج، على تطوير المناهج وفق نظرة حديثة تتيح للوزراة تنفيذها في بيئة تعلم رقمية ومتضمنة أنشطة مرتطبة بالتطبيقات الرقمية، ما يتيح للطلبة المشاركة بشكل أكبر في بيئات التعلم الافتراضي، والتي تنمي مهارات البحث ومشاركة المعرفة والإبداع والابتكار والتجديد، وواحد من هذه المجالات هي المناهج الرقمية”.
وأشار الى أن الوزارة تعمل حاليا على تطوير لوحة الإشراف الإلكتروني وجودة التعليم، والتي ستتضمن التحول في أدوات الإشراف اليدوية إلى الاستخدام الرقمي، من خلال الأجهزة اللوحية المرتبطة بلوحة المعلومات في الوزارة، ما سيوفر بيانات نوعية عن أداء المعلمين والحاجات المهنية وحاجات المدارس.
المصدر / جريدة الغد