يدعو خبراء إلى ضرورة الإسراع في تجسير الفجوات ومواجهة التحديات التي من شأنها تأخير تطبيق الذكاء الاصطناعي داخل مؤسسات الدولة.
وفي أحاديثهم إلى «الرأي»، يجمِعون على الأهمية الكبيرة لهذا التجسير لرفع جهوزية مؤسسات القطاع العام وتحسين الكفاءة والإنتاجية في المؤسسات الحكومية من خلال تطوير الخدمات وتحسين جودتها.
ولتطبيق الذكاء الاصطناعي يؤكد الخبراء بأن علينا معالجة هذه الفجوات من نقص المهارات والخبرات في علم البيانات وقواعد البيان والذكاء الاصطناعي عن طريق تأهيل وتدريب وإعداد كوادر من التقنيين والخبراء، وتشجيع التعاون بين القطاعين العام والخاص والقطاع الأكاديمي، وإيجاد البيئة التشريعية والتنظيمية لحفظ أمن المعلومات والبيانات، إضافة إلى أهمية إيجاد تمويل للعمل على الذكاء الاصطناعي لكلفه العالية.
ثلاثة تحديات رئيسة
وتؤشر المديرة التنفيذية لشركة «أسكدنيا» للبرمجيات ضحى عبدالخالق إلى أن هناك ثلاثة تحديات تواجه هذه المهمة؛ هي: الهيكلة والتدريب على مهارات الذكاء الاصطناعي، والتعاون مع القطاع الخاص، وتوفير البيانات وقواعد البيانات.
وتشدد عبدالخالق على ضرورة وجود مهندسين لديهم خبرات في تنظيم البيانات ومختصين بقواعد البيانات للأجهزة، وأن هذا لا يغني عن الحاجة إلى خبراء ومختصين.
وتنبه عبدالخالق إلى أن تدريب وتطوير الموارد البشرية يقتضي التعاون مع الجهات الأكاديمية والجامعات الحكومية والخاصة، وضرورة التعاون مع القطاع الخاص تحديدا لما لديه من منتجات قادرة على الدفع بهذا الاتجاه.
وترى أن أهم تحدٍ هو «الأرشفة الرقمية”؛ أي نقل وإدخال جميع البيانات العامة الرسمية لدى مؤسسات القطاع العام على الشبكة العنكبوتية بشكل كامل. وتشدد على وجوب أن تتحول جميع البيانات «كل قصاصة أو ورقة أو ملف (PDF) يجب أن تتحول إلى نص، ولابد من توافر منصة مصادر بيانات مفتوحة تضم جميع بيانات المؤسسات لرواد الأعمال والطلاب الجامعات حتى يكون هناك ابتكارات».
ومن ثم، والحديث لعبدالخالق، يجب تنظيم البيانات وإعادة معالجتها وتركيب معاملات الذكاء الاصطناعي للاستفادة من ذلك وإعادة توجيهها بمجالات التدريب المختلفة.
وتؤكد على أن دور وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة يكمن الإشراف على التنفيذ وفق الدستور؛ وهذا، بتقديرها، يتطلب شكلا تنظيميا جديدا يجعل المعلوماتية في جميع المؤسسات والدوائر الحكومية تعمل بشكل منظم باتجاه خريطة الطريق التي استغرق رسمها خمس سنوات.
استثمار قدرات الأكاديميين
عميد كلية تكنولوجيا المعلومات وعلوم الحاسوب في جامعة اليرموك الدكتور قاسم الردايدة يقول إن إدراك الدولة أهمية الذكاء الاصطناعي وضرورة إقحامه في العمل بالقطاع الخاص أو العام هو أمر في غاية الأهمية.
ويرى الردايدة أن إعداد الدراسة لتقييم جهوزية الذكاء الصناعي في مؤسسات القطاع العام هي «خطوة إيجابية». لكنه يتخوف من التوقف بعد انتهاء الدراسة وعدم أخذها بجدية وبأن تصبح حبيسة الأدراج كما حال الدراسات السابقة.
ويحض الردايدة على ضرورة أخذ الموضوع بجدية وأن يكون هناك التزام من الدولة بتنفيذ نتائج الدراسة، وعلى ضوئها يجري إدخال القطاع الخاص والأكاديميا واستيعاب الخبرات المحلية والخارجية، مع التركيز على الخبراء الأردنيين الذين يقودون القطاع في دول الخليج.
ويدعو الردايدة إلى ضرورة إشراك الأكاديميا في اتخاذ القرارات والتطوير الحاصل.
ويشدد على ضرورة تثقيف متخذي القرار بضرورة استخدامات الذكاء الاصطناعي.
مشروع لتأهيل الكوادر الحكومية
المدير التنفيذي لمجموعة «ستالون للذكاء الاصطناعي» سامر عبيدات يؤمن بأن الذكاء الاصطناعي «يغير تضاريس الاقتصاد بجميع قطاعاته»، ويؤكد أنه سيكون جزءا أساسيا لا يتجزأ في كل منظومة داخل أي دولة، وهو ما يساعدنا بإنتاج التكنولوجيا «لتدارك معضلة البطالة خلال الفترة القادمة».
ويلفت عبيدات إلى أن شركة ستالون تعمل مع الحكومة منذ آذار الماضي على مشروع قياس جهوزية مؤسسات القطاع العام للذكاء الاصطناعي بهدف وضع استراتيجيات مؤسسية للمؤسسات الحكومية في الأردن.
ويقول إنهم قاسوا جهوزية مؤسسات القطاع العام للذكاء الصناعي، ودربوا أكثر من 3500 موظفا حكوميا وقائدا وركزوا على رفع نسبة وعيهم بالذكاء الاصطناعي لأكثر من 26 بالمئة، كما اقترحواةأكثر من 300 مشروع تحولي لهذه المؤسسات مقسمة ما بين 25 إلى 30 مشروعا لكل مؤسسة.
ويبين أنه شُكِّل في كل وزارة فريق يدعى «فريق مواطنة الذكاء الاصطناعي» ليكون البذرة لتأسيس أقسام ذكاء اصطناعي في الوزارة ومهمة فرق العمل هذه هي إدارة التغيير ونشر مستوى الوعي خلال فترة المشروع.
ويؤكد أن المشروع أُنجز بنجاح «وستظهر مخرجاته خلال الفترة القادمة؛ إذ سنبدأ بتنفيذ أكثر من أربعة مشاريع ذكاء اصطناعي للوزارات».
الذكاء الاصطناعي في المدارس
ويعرض عبيدات إلى أحد أهم المشاريع والمبادرات التي تعمل شركته عليها بالشراكة مع وزارة التربية والتعليم؛ وهو مبادرة «إنشاء مختبر ذكاء اصطناعي في كل مدرسة».
ويقول إننا نهدف بذلك إلى تحويل كل مدرسة إلى «مسرّع ريادي للذكاء الاصطناعي» سيتعلم طلاب المدارس من خلاله إنتاج التكنولوجيا، إضافة إلى تطبيقها على مستوى ريادي للخروج بمشاريع تحل المشاكل في البلد.
نقص في علماء البيانات
ويحيل العبيدات إلى معضلة جذرية في عملية التحول إلى مجتمع الذكاء الاصطناعي؛ وهي النقص في علماء البيانات.
ويوضح أنهم يعملون على بناء قدرات «علماء البيانات» الذين تعاني المملكة من ندرتهم؛ «فهم وحدهم القادرون على العمل على هذه المشاريع وهي من أهم المشاريع التي نعمل عليها حالياً».
ويفصل بالقول إن العمل جارٍ على إعداد مسرّعات لإنتاج «علماء بيانات و”مهندسي تعلم آلة»، ونعمل أيضا على مشاريع تخص تطوير التكنولوجيا داخل الأردن.
استراتيجية الذكاء الاصطناعي
رئيس هيئة المديرين في جمعية «إنتاج» أمجد صويص يعرض من جانبه للاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي التي خرجت إلى العيان عام 2022
ويقول إنه انبثقت عنها «اللجنة التوجيهية للذكاء الاصطناعي» التي ألقي على عاتقها مهام كثيرة.
ويوضح صويص أن أولى هذه المهام التي يجب العمل عليها هي التشبيك في شراكات مع ممولين مثل الوكالة اليابانية للتعاون الدولي «جايكا» اليابانية لتعمل معنا على مشاريع وتمولها
ويبين أن المخطط للاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي أن تنفذ خلال مدة زمنية تُراوح بين ثلاث إلى خمس سنوات.
ويؤكد أنه وفق المخطط، ستنفذ الاستراتيجية من خلال العمل ضمن وزارات وجهات لديها مؤهلات العمل في الذكاء الاصناعي. وينبه إلى وجوب العمل بشكل متواز على البيئة التشريعية والبيئة الممكّنة والبنية التحتية والعامل البشري وتدريبهم لتصبح الأردن مركزا رائدا ومنافسا ومن الدول القادرة على إخراج شركات وبرامج وتمتلك ذكاءً اصطناعيا وقادرة على توجيهها لخدمة الاقتصاد المحلي لتقديم خدمات استباقية في بعض الأمور للتمكن من ترفيه المواطن وإيجاد حلول للمشكلات التي يصعب حلها بدون الذكاء الصناعي.
ويركز صويص على الدور الكبير الذي يقع على عاتق القطاع الخاص للعمل على الذكاء الاصطناعي والتطوير، ولذلك، يحض على ضرورة تمكينه ببيئة تشريعية.
ويدعو صويص إلى إعمال الشفافية وتفعيل الشراكات بين القطاعين العام والخاص وضرورة وجود الجهات الممولة والمانحة؛ لأن الذكاء الاصطناعي «مكلف ويحتاج إلى جهات مانحة». وهو، بتقديره، ما يستوجب «فرز الجهات المانحة والعمل معهم على برامج متكاملة».
وهو لا ينسى أهمية القطاع الأكاديمي الذي يشدد على وجوب العمل معه واستثمار طاقاته في البناء والتطوير ضمن منظومة متكاملة من خلال القطاعين الحكومي والخاص القادر على عمل برامج تسهل عمل القطاع العام.
ويقول: إذا استطعنا العمل بطريقة فعالة يمكننا الوصول إلى تحقيق أهداف الاستراتيجية لنكون مركزا رائدا في الذكاء الاصطناعي.
مناهج لتطوير المهارات الرقمية
بدورها، تؤكد رئيسة قسم الذكاء الاصطناعي في وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة لمى عربيات أن الاستراتيجية الداعمة للذكاء الاصطناعي، التي تعمل الوزارة على تنفيذها، تركز على بناء القدرات. وهي تقر بأن هناك فجوات كبيرة في مهارات الأفراد، وتقول إنها تعمل جاهدة على تغطيتها لبناء قدرات حقيقية للشباب الأردني.
لذلك؛ تركز الوزارة على محور التعليم من خلال المدارس والجامعات، وتشير إلى أن هناك عطاءا مطروحا لتطوير المناهج الدراسية وإعداد مناهج «المهارات الرقمية من الصف الأول حتي الثاني عشر» ليكون الطلاب على دراية كاملة بالتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي
ولا تنكر عربيات أهمية الشراكة مع القطاع الخاص وريادة الأعمال اللذين ترى أنه من دونهما لن تنفذ مشاريع الذكاء الصناعي.
وتؤشر عربيات إلى الأطر التنظيمية في موضوع الذكاء لاصطناعي في الأردن..
حيث وضعت الوزارة مدونة أخلاقيات للذكاء الاصطناعي من خلال مسودة الميثاق الوطني لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي.
ولاحظت الوزارة أن الجامعات الأردنية بدأت تتبنى المدونة في مناهجها الدراسية.
مشاريع قيد التنفيذ
ووفقا لعربيات، بدأت الوزارة بتنفيذ عدة مشاريع عملت بها على استخدام الذكاء الاصطناعي يتم من خلالها جمع البيانات بطرق مختلفة وتحليلها وبناء مختبرات ذكاء اصطناعي ونماذج محاكاة للخروج بحلول.
ومن المشاريع التي بدأت الوزارة بتنفيذها: مشروع «إدارة لاختناقات المرورية باستخدام الذكاء الاصطناعي»، من خلال اتفاقية ثلاثية مع شركة «كي بي دبليو» للاستثمار وجامعة الحسين التقنية.
وبدأ المشروع بالتعاون مع أمانة عمان ومديرية الأمن العام، حيث تم اختيار مناطق شديدة الازدحام في العاصمة عمان نموذجا تجريبيا.
ومن المشاريع التي تعمل عليها الوزارة أيضا: قياس معدلات البطالة، وتركز المرحلة الأولى من المشروع على جمع البيانات من المؤسسات الحكومية التي تتعلق بمعدلات البطالة كأعداد الخريجين وظروفهم (معيل أو غير معيل) ومن ثم سيتم بناء نموذج لقياس نسبة البطالة الحقيقية في الأردن والخروج بتوصيات بناء على المناطق الجغرافية وأين تتركز النسب.
ويقول رئيس الفريق الاستشاري لوكالة جايكا اليابانية السيد كوجوري إنه ستنفذ عدة مشاريع في الذكاء الاصطناعي التي اختارتها اللجنة التوجيهية للذكاء الاصطناعي بالتعاون مع جايكا في عدة قطاعات منها: المياه والتعليم والطاقة والحكومة الرقمية والصحة والنقل والمدن الذكية.