لم يعد تطبيق مفهوم المدن الذكية “ترفا تنمويا” فالعالم يهرول نحو التحول الرقمي في معظم مناحي الحياة، ما يحتم بحسب خبراء، ضرورة تبني هذا المفهوم في الأردن الذي قطع شوطا لا بأس به في هذا المجال.
التطورات الأخيرة المتسارعة في صناعة الاتصالات مثل إدخال تقنية الجيل الخامس والتقنيات الأخرى المرافقة له مثل تقنيات الذكاء الاصطناعي وانترنت الأشياء، كلها عوامل تدعو أصحاب القرار والحكومات لتعزيز مفاهيم التحول الرقمي واعتماد مفهوم ” المدن الذكية ” بحسب الخبراء.
يأتي هذا في وقت شرعت فيه أكثر من 170 مدينة في العالم بإنشاء مشاريع استخدام تكنولوجيا المدن الذكية فيما تشير تقديرات إلى ارتفاع الإنفاق العالمي عليها العام الحالي لأكثر من 190 مليار دولار.
ويؤكد خبراء محليون أن تقنية الجيل الخامس هي “عامل ممكن وأساسي” لتطبيق وإنجاح كل عمليات ومفاهيم التحول الرقمي والثورة الصناعية الرابعة ومنها تطبيقات “المدن الذكية” التي تطرقت لها رؤية التحديث الاقتصادي وخطت لها مبادرات متنوعة سعيا منها لإقامة ما يسمى بمدن المستقبل والتي تقوم على التقنيات الحديثة في إدارتها وتنظيمها ولتحسين حياة الأردنيين.
ويبين الخبراء أن المزايا التي يقدمها الجيل الخامس والتي تتفوق على الأجيال السابقة ستدعم وتعزز مفهوم” المدن الذكية”، وهذه المزايا تتلخص في ميزة التنقل، وسرعاته الفائقة وغير المسبوقة والتي تزيد بنحو عشرة أضعاف على سرعات الجيل الرابع، وميزة زمن الاستجابة (Latency) المنخفض جدا، إذ يعرف زمن الاستجابة بأنه (التأخير بين إرسال المعلومات وتلقيها) الذي سيقل ليصبح جزءا من الثانية، فضلا عن أهمية التقنية في سرعة التنزيل والقدرة على تقسيم الشبكة بحسب شرائح وحاجات المستخدمين، فضلا عن القدرة الكبرى على ربط عدد كبير من الأجهزة في الوقت نفسه.
ويشير الخبراء إلى أنه رغم دخول الأردن حديثا إلى التصنيفات العالمية المعروفة للمدن الذكية ووجوده اليوم في مراتب متأخرة، إلا أنه مهيأ وبشكل كبير لإنجاح وتطبيق مفهوم المدن الذكية خلال السنوات المقبلة، مؤكدين أن المفهوم يشمل تقديم وتوفير تطبيقات واسعة النطاق في إدارة المدن والمرور والطاقة والصحة والبيئة والأمن والحماية وتحسين حياة الناس، فيما تظهر بيانات الاتحاد الدولي للاتصالات تكدس أكثر من نصف سكان العالم في المدن ومسؤولياتها عن أكثر من 70 % من انبعاثات الكربون واستحواذها على 60-80 % من استهلاك الوقود.
وشهد العام الحالي إدخال خدمات الجيل الخامس في الأردن في أولى مراحلها من قبل مشغلين للخدمة فيما ينتظر أن يطلق المشغل الثالث خدماته قريبا، في وقت تظهر فيه الأرقام الرسمية إلى أن هناك نحو 11 مليون مستخدم في الأردن منهم أكثر من 7.5 مليون مستخدم لها عبر الهواتف .
الجيل الخامس ممكن للمدن الذكية
أكد وزير الاقتصاد الرقمي والريادة أحمد الهناندة أن الجيل الخامس ” يعد عاملا ممكنا وأساسيا لتنفيذ تطبيقات جديدة تندرج تحت مفاهيم التحول الرقمي والثورة الصناعية الرابعة ومنها مفهوم ” المدن الذكية” وقال “الأردن مهيأ له بشكل كبير بسبب البنية التحتية المتينة الموجودة أصلا والتي ستعززها شبكات الجيل الخامس التي تنطلق وتتوسع شيئا فشيئا في السوق المحلية”.
وأكد الهناندة أن تطبيق مفهوم المدن الذكية لمناطق ومدن يجري إنشاؤها حديثا هو أسهل وأكثر متانة من تطبيقه على مدن تقليدية قائمة، رغم القدرة على إدخال تطبيقات لها في الأخيرة للاستفادة منها في مجال تحسين حياة الناس.
تشريعات جاهزة
ولفت الى أننا لسنا بحاجة الى تشريعات خاصة تعنى بالمدن الذكية على وجه الخصوص، مؤكدا في الوقت نفسه أن التشريعات المرتبطة بالتحول الرقمي هي مكتملة في الأردن وتعزز اليوم أي عمليات تطوير حاليا ومستقبلا، لا سيما مع متابعة الحكومة وإقرارها تشريعات وسياسات تعنى بكل المفاهيم الحديثة المرتبطة بالجيل الخامس وبالتحول الرقمي مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والحوسبة السحابية.
نحتاج سنتين لرؤية تطبيقات فعلية للمدن الذكية
ولكن نائب الرئيس التنفيذي في شركة “أورانج الأردن” رسلان ديرانية أكد أن مشغلي الخدمة يحتاجون اليوم إلى وقت لنشر خدمات الجيل الخامس وزيادة التغطية يوما بعد يوم للاستفادة من مزايا التقنية الحديثة التي تتفوق على سابقتها من ناحية التنقل والسرعة والسعات.
وتوقع أننا بحاجة الى وقت يتراوح بين سنتين الى ثلاث سنوات لرؤية وتوسيع نطاق تطبيقات التحول الرقمي والمدن الذكية المعتمدة على الجيل الخامس.
تعريف المدن الذكية
لا يوجد تعريف ثابت ومحدد للمدن الذكية، فهو مفهوم قابل للإضافة والتغير من حين إلى آخر، لكن المتفق عليه أنها المدينة التي تعتمد على التكنولوجيا بشكل أساسي في بنيتها التحتية، لتحسين جودة حياة الناس ورفع معايير الأمن والسلامة في الطرق والمنازل.
ويعرف الاتحاد الدولي للاتصالات، المدينة الذكية على أنها ” مدينة مبتكرة تستخدم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتحسين نوعية الحياة، وكفاءة العمليات والخدمات الحضرية، والقدرة على المنافسة، حيث يجب أن تنعكس هذه المزايا في تلبية احتياجات الأجيال الحالية والقادمة فيما يتعلق بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية، حتى تكتسب أي مدينة صفة الذكية.
ست ممكنات للمدن الذكية
وعن أبرز ممكنات المدن الذكية، قال الرئيس التنفيذي السابق لهيئة تنظيم قطاع الاتصالات د.غازي الجبور إنها “تحتاج أولا الى ” بيانات ذكية” التي يجري تحليلها والاستفاده منها للمواطنين ولمتخذي القرار والمسؤولين في الطريق لبناء الخطط المستقبلية ، حيث توفر هذه البيانات معلومات عن حركة وأماكن تواجد السكان والعلاقة الزمنية لكل تلك المعلومات اللازمة في تنظيم أماكن المطاعم وأماكن التسوق والخدمات الحكومية وغيرها”.
وقال الجبور “من الممكنات “نقل المعلومات الذكية” والتي تعني التكنولوجيا والبيانات والتي يمكن نقلها وتحريكها بين الأنظمة المتوفرة في المدينة”.
وأشار إلى ممكن ثالث يتمثل في ” البنية التحتية الذكية” عندما تستخدم التقنية الرقمية وتجمع المعلومات اللازمة للتطوير الحالي والمستقبلي وتستخدم البيانات للتنبؤ بالمشاكل التي تمس السلامة العامة من حرائق وانقطاع للمياه والكهرباء.
وبين الجبور أن من بين الممكنات ” الطاقة الذكية” التي تشمل الطاقة في المنازل وفي المؤسسات لتصبح كفؤة تستخدم بشكل أقل وبكفاءة أعلى وتشمل شبكات الطاقة الرئيسة المزودة للطاقة الكهربائية، وكذلك الإضاءة في الشوارع والأماكن العامة.
وأشار الى ممكن خامس يتمثل في “توفير وسائط النقل الذكي” وهي النماذج المختلفة للنقل والمرائب الذكية، وأنظمة الإشارات الضوئية الذكية التي تقلل زمن السير على الطرق.
وأكد الجبور وجود ممكن سادس يتمثل في “توفر أجهزه إنترنت الأشياء” والتي تشمل المجسات (الحساسات) بأنواعها وأنظمة الرؤية والتشغيل وهذه الأجهزة ضرورية لخدمات الماء والكهرباء والطرق والسير .
التقنيات الضرورية للمدن الذكية موجودة في الأردن
وبالنسبة للوضع المحلي ، أكد الجبور أن جميع التكنولوجيات الضرورية للمدن الذكية متوفرة في الأردن ، وقد قطعت أمانة عمان شوطا كبيرا في هذا المجال من ناحية تسهيل وتسريع وصول المواطنين لخدماتها، مبينا أن السياسات الإدارية الحالية في الأمانة مؤشرات تؤمن بدور التكنولوجيا كرافعة لحلول الكثير من المعضلات الحالية.
لكن الجبور قال “عمان تحتاج الى سرعة الانتقال الى الطاقة الذكية والنقل الذكي وتحويل جميع الإشارات الضوئية الى ذكية حتى تقلل من الازدحامات المرورية والحد من التلوث البيئي وتوفير الكلف على المواطنين”.
وفي السياق نفسه، أكد الاستشاري التقني الإستراتيجي م.هاني محمود البطش أن “الأردن يحرز تقدما في تنفيذ مفاهيم المدينة الذكية، ولكن ما تزال هناك بعض التحديات التي يجب معالجتها قبل أن يمكن اعتبارها جاهزة تماما”.
وقال البطش “على سبيل المثال، لم يتم تطوير البنية التحتية في الأردن بشكل كامل لدعم مفاهيم المدن الذكية فالاتصال بالإنترنت في كثير من المناطق الأردنية ليس بالسرعة المطلوبة لدعم تطبيقات السيارات ذاتية القيادة والواقع الافتراضي مثلا كذلك لم يتم بعد تطبيق اللوائح الأردنية بشكل كامل لدعم مفاهيم المدينة الذكية، على سبيل المثال، لا توجد لوائح واضحة حول كيفية استخدام البيانات التي يتم جمعها بواسطة أجهزة استشعار المدينة الذكية”.
تكاليف تطبيق المدن الذكية
وأشار البطش إلى أنه قد يكون تنفيذ مفاهيم المدينة الذكية مكلفا وقال “سيحتاج الأردن إلى إيجاد طرق لتمويل هذه المشاريع دون الضغط على ميزانيته”.
ويرى البطش أنه من الأفضل تطبيق مفهوم المدن الذكية الصغيرة على مناطق دقيقة في المدينة؛ مثل مجتمعات صغيرة أو ضواحي من أجل اختبار التحديات ومعالجتها وبالتالي تحسين التطبيق الفعلي على المدن.
وأكد البطش أن تقنية الجيل الخامس يمكن أن تساهم في تطوير المدن الذكية بعدة طرق؛ فسرعاتها العالية ضرورية للتطبيقات مثل إدارة حركة المرور في الوقت الفعلي والتحكم عن بعد في البنية التحتية.
وأشار الى أنها تتمتع بوقت استجابة أقل من الأجيال السابقة يمكن نقل البيانات بسرعة أكبر؛ وهو أمر مهم للتطبيقات مثل السيارات ذاتية القيادة والواقع الافتراضي.
وقال البطش “ما تتمتع به تقنية الجيل الخامس من سعة أكبر من الأجيال السابقة يتيح توصيل المزيد من الأجهزة بالشبكة في نفس الوقت، وهو أمر مهم للتطبيقات مثل مستشعرات المدينة الذكية وإشارات المرور الذكية”.
المدن الذكية… تحسين جودة الحياة
من جانبه، أكد الخبير في مجال التقنية والاتصالات وصفي الصفدي أن المدن الذكية تهدف بالعموميات لتحسين الكفاءة والاستدامة وجودة الحياة لسكانها.
وقال الصفدي إن “الجيل الخامس يدعم تطور المدن الذكية بشكل كبير وبطرق مختلفة لمميزاتها المتفوقة على الأجيال السابقة للاتصالات” معتبرا إياها “عاملا تمكينيا مهما لتطوير وتشغيل مدينة ذكية”.
11 تطبيقا وخدمة للمدن الذكية
ستعرض الصفدي 11 تطبيقا وخدمة تندرج تحت مظلة المدن الذكية ومنها: الاتصال المحسن عالي الجودة، حيث يوفر الجيل الخامس اتصالا سلسا للعديد من الأجهزة وأجهزة الاستشعار، كما يتيح ذلك جمع البيانات في الوقت الفعلي وتحليلها والاستجابة لها.
وقال الصفدي “الجيل الخامس يدعم التوسع في استخدام إنترنت الأشياء (IoT)، حيث تدعم السعات العالية لشبكات الجيل الخامس عددا هائلا من أجهزة إنترنت الأشياء، مما يتيح نشر أجهزة الاستشعار، الأجهزة الذكية، وأجهزة التحكم عن بعد (التشغيل عن بعد) في جميع أنحاء المدينة لرصد الخدمات المختلفة والتحكم فيها مثل إدارة النفايات واستهلاك الطاقة وتدفق حركة المرور، إدارة التجويد المائي، تقليل الفاقد ورفع كفاءة وعدالة التوزيع”.
وبين الصفدي أن تقنية الجيل الخامس تفيد في اتخاذ القرار المستند إلى البيانات والذكاء الاصطناعي بناء على المعلومات في الوقت الفعلي وكفاءة الذكاء الاصطناعي.
وأكد أن شبكة الجيل الخامس تسهم بشكل فعال في رفع وتحسين وإدارة ومراقبة حالة البنى التحتية الحيوية، مثل الجسور والأنفاق والطرق والمرافق التي تخدم المدينة في الوقت الفعلي وعمل الصيانة الدورية وتحسين الصيانة التنبؤية
وفي مجال السلامة العامة والأمن بين الصفدي أن تقنية الجيل الخامس تتيح استخدام أجهزة و أنظمة مراقبة ذات تقنيات عالية ومتقدمة منها تقنيات التعرف على الوجه، وتحليل الفيديوهات والصور والتتبع اللحظي مما يسهل عملية الاستجابة لحالات الطوارئ وتعزيز تدابير السلامة والأمن والأمان.
وأشار الى أن من تطبيقات الجيل الخامس ” المركبات ذاتية القيادة ” مبينا أن زمن الانتقال المنخفض للتقنية الحديثة هو أمر بالغ الأهمية لتمكين الاتصال بين المركبات ذاتية القيادة والبنية التحتية.
وقال الصفدي “من التطبيقات الأخرى “الخدمات عن بعد” مثل الطب عن بعد والتعليم عن بعد والاجتماعات الافتراضية، وتحسين استخدام الطاقة في المباني وإضاءة الشوارع والبنى التحتية الأخرى ، ما يؤدي إلى تقليل استهلاك الطاقة والتأثير السلبي على البيئة من خلال تقليل الانبعاثات الكربونية.
وأشار إلى أن من التطبيقات المهمة ” إدارة حركة المرور الذكية”، لتحسين تدفق حركة المرور وتقليل الازدحام وتعزيز السلامة على الطرق.
وأكد الصفدي أن الجيل الخامس يمكن تطبيقات التطبيب عن بعد ومراقبة المريض عن بعد ونقل البيانات الطبية في الوقت الفعلي، كما يمكن للطائرة المسيرة والربوتات من تقديم الخدمات اللوجستية مثل إيصال الأدوية.
تحول في الحياة الحضرية
وقال مدير عام “شركة التحليل النقي للاستشارات الإدارية والتكنولوجية” د.معتز محمد الدبعي إن “عملية دمج تقنية الجيل الخامس والمدن الذكية تمثل “تحولا نموذجيا في الحياة الحضرية” لأنها تسهم في إحداث ثورة في إدارة المدن، وتعزيز حياة المواطنين، وتعزيز النمو المستدام”.
وقال “يعمل هذا التحول على الحد من التأثير البيئي وجعل المدن أكثر مرونة في مواجهة مجموعة متنوعة من التحديات”.
تحديات المدن الذكية
ويرى الدبعي أن دمج الجيل الخامس والمدن الذكية يواجه عددا من التحديات منها ما يتعلق بخصوصية البيانات، وأمن الفضاء الإلكتروني، والوصول المنصف إلى التكنولوجيا مع حاجة كبيرة لاستثمارات ضخمة وتخطيط دقيق في نشر الجيل الخامس.
المؤشرات العالمية للمدن الذكية
وفي المؤشرات العالمية، هناك مؤشر IMD للمدن الذكية الصادر من المعهد الدولي للتنمية الإدارية بمدينة لوزان السويسرية، وقد صنف مدن زيورخ في سويسرا وأوسلو في النرويج وكانبيرا في أستراليا على أنها أفضل المدن الذكية في العالم حسب تقرير عام 2023 من أصل 141 مدينة.
عربيا حلت إمارة دبي في المركز الــ 17 عالميا، و جاءت أبوظبي في المركز الــ 13 عالميا، بينما جاءت العاصمة عمان متأخرة مع دخولها حديثا الى التصنيف في المرتبة 135 .
المصدر الغد