ليس سراً أن الكثير من المؤسسات الإعلامية في المنطقة العربية تعاني من مصاعب مالية قد تؤدي إلى إغلاق البعض منها، ومن أسباب هذه التحديات المالية تزايد الطلب على المحتوى الرقمي وتحول الجمهور وعدد لا بأس به من صناع المحتوى، نحو وسائل «الإعلام الجديد».
وبالمقارنة مع وسائل الإعلام في مناطق أخرى مثل الولايات المتحدة وأوروبا وشرق آسيا، فإن الصحف على سبيل المثال في العالم العربي تأخرت كثيراً في التحول الرقمي، ما أدّى إلى تقلّص عدد قرائها وجفاف الإعلانات وبالتالي ضآلة الإيرادات.
ولكن التطورات التكنولوجية الأخيرة قد تعطي بعض الأمل لتلك المؤسسات إذا أحسن استغلالها، وخاصة تقنية الذكاء الاصطناعي، إذ تبنت أكبر مؤسسات «الدوت.كوم» العالمية هذه التقنية وتم استثمار المليارات في تطوير وسائط جديدة مثل «تشات جي بي تي» و«بارد غوغل».
وتعد هذه فرصة لتحسين إدارة الموارد المالية في المؤسسات الإعلامية العربية، وتقديم محتوى دقيق بسرعة فائقة تنافس وسائل الإعلام الجديد التي تعتمد على النقل الفوري للحدث.
تقنية الذكاء الاصطناعي قادرة على تقديم تحليل دقيق لتفاعل الجمهور مع المحتوى خلال وقت قياسي، وذلك أمر كان يكلف المؤسسات الإعلامية الكثير من المال والوقت.
ففي مجال إدارة الموارد البشرية والميزانية، يمكن استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات ومؤشرات الأداء الخاصة بعمل المحررين والموظفين، إذ يمكن معرفة نقاط القوة والضعف في الفريق الصحفي عن طريق تحليل دقيق لما يؤديه صحافيو وموظفو المؤسسة، وهذا يساعد في اتخاذ القرارات المتعلقة بإعادة ميزانية الموارد البشرية عبر الاحتفاظ بالكفاءات وتبديل أعضاء الفريق قليلي المهارة.
تقنية الذكاء الاصطناعي قادرة على تقديم تحليل دقيق لتفاعل الجمهور مع المحتوى خلال وقت قياسي، وذلك أمر كان يكلف المؤسسات الإعلامية الكثير من المال والوقت، واليوم، يمكن استخدام هذه التقنية في معرفة ما يفضله جمهور المؤسسة من محتوى، فهذا يساعد الإدارة على توزيع الموارد البشرية بشكل أفضل وتوفير الجهد والمال، على سبيل المثال، من الممكن تسخير محررين وصحفيين إضافيين لتجهيز المحتوى المفضل لدى القرّاء، كما يمكن إلغاء أو تقليص القسم الذي يشكل عبئاً على المؤسسة.
تحليل المحتوى، عبر وسائط الذكاء الاصطناعي، قد يمكّن المؤسسة الإعلامية أيضاً من تحديد الأوقات الأكثر جذباً لجمهورها، وكذلك تفاعل مكان معين مع نوعية معينة من المحتوى، فعلى سبيل المثال، قد يهتم جمهور المؤسسة في القاهرة بمحتوى ما، فيما يهتم الجمهور في الرياض بنوع آخر من الأخبار أو التحليل، وذلك يصب أيضاً في تحسين إدارة الموارد المالية وتوزيع الكفاءات الموجودة في المؤسسة بما يكفل عائداً أفضل للمؤسسة من القوة البشرية المتوفرة لديها.
توفر تقنية الذكاء الاصطناعي فرصة ثمينة للمحررين في تحليل وتصنيف ما يقدمونه من محتوى، كما تساعدهم في توفير معلومات وبيانات دقيقة في سرعة قياسية، ما يثري ذلك المحتوى ويقدمه إلى الجمهور بسرعة تنافس وسائل الإعلام الجديد.
ويساعد هذا التحليل الدقيق في تسويق الإعلانات بشكل أكثر فاعلية حيث يمكن للمؤسسة توفير بيانات دقيقة للمعلنين عن نوعية الجمهور وطبيعة المحتوى المفضل لدى كل فئة من جمهورها.
على المستوى المهني، توفر تقنية الذكاء الاصطناعي فرصة ثمينة للمحررين في تحليل وتصنيف ما يقدمونه من محتوى، كما تساعدهم في توفير معلومات وبيانات دقيقة في سرعة قياسية، ما يثري ذلك المحتوى ويقدمه إلى الجمهور بسرعة تنافس وسائل الإعلام الجديد، كما يمكن للمؤسسة التي تعاني من نقص الموارد البشرية، خاصة بعد الانتكاسات المالية الأخيرة خلال جائحة كورونا التي أجبرت الكثير من المؤسسات على صرف قسم لا بأس به من موظفيها، أن تستغل تقنية الذكاء الاصطناعي في صناعة تقارير محتوى جيد لا يحتاج إلى أكثر من إشراف بشري بسيط، بما في ذلك الفيديو والبودكاست والصور، ويمكن صناعة مثل هذه المحتوى الإعلامي بشكل أسرع وأكثر دقة وبتكلفة أقل.
تمثل تقنية الذكاء الاصطناعي فرصة ذهبية لمؤسساتنا الإعلامية للخروج من دوامة الخسائر المالية التي باتت ملازمة لصناعة الإعلام في السنوات الخمس الأخيرة على الأقل، ولكن يبقى العنصر البشري هو العنصر الأهم في هذه العملية حيث يجب التأكد من وجود عناصر مؤهلة تستطيع الاستفادة من هذه التقنية دون التخلي عن الصبغة الإنسانية لمهنة سامية مثل الصحافة.
كما أن هناك جدلاً بات يتصاعد في هذا الصدد حول الأطر الأخلاقية والقانونية لصحافة الذكاء الاصطناعي، وهو جدل محمود ومهم يجب على مؤسساتنا الإعلامية أن تكون طرفاً فيه إذا كانت تريد أن تبقى لاعباً مهماً في صناعة تشكيل وتوجيه الرأي العام.
ولكن نظرة سريعة على واقع الإعلام العربي المر، الذي لا يزال يتكبد الكثير من الخسائر في عدة دول عربية، تحتم علينا الأخذ بالوسائل الحديثة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، من دون التضحية بأمانة الرسالة الإعلامية وقواعدها الأخلاقية.
المصدر «CNN الاقتصادية».