تحت مسمى “مواجهة الإرهاب” لجأ الاحتلال الصهيوني إلى سن تشريعات تقيد حرية الفلسطينيين من شأنها تجريم التعاطف مع المقاومة ومعاناة الغزيين بالتوازي مع حرب الإبادة التي تمارسها العصابات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني.
وصادق “الكينست الإسرائيلي” الشهر الماضي على قانون حظر إستهلاك “المنشورات الإرهابية”، على حد تعبير القانون، بتصويت غلب فيه التأييد بسبعة عشر صوتا مؤيدا، مقابل أربعة أصوات معارضة، وبدأ تنفيذه مؤخرا على أرض الواقع بملاحقة ومحاولات فرض عقوبات على فلسطينيين ابدوا تعاطفهم مع غزة عبر منصات التواصل الاجتماعي.
ولعل حالة سيدة فلسطينية وقعت تحت طائلة هذا القانون هي شاهد على تداعياته، والسبب ببساطة صورة تعاطف مع غزة استخدمتها لحالتها على “واتساب”.
وانتشر مؤخرا فيديو يوثق عملية اعتقال الفلسطينية من منزلها في الضفة، وظهر شرطي تابع للاحتلال الإسرائيلي وهو يقول لها “أنت موقوفة لنشرك كلمات مديح وتعاطف وتشجيع لعمل إرهابي، والكشف عن انتمائك لمنظمة إرهابية”.
ومن المقرر أن يسري القانون على الأرجح في الضفة الغربية المحتلة أيضا، حتى وهي خارج سلطة القضاء الإسرائيلي بموجب القانون الدولي.
ويجرم القانون الإسرائيلي الجديد استهلاك المنشورات، هذا الإجراء يرى فيه خبراء ومؤسسات حقوقية أنه يتناقض مع مفاهيم الديمقراطية ومحاولات جديدة من قبل الاحتلال لاطباق الحصار الرقمي على غزة، وتكميم الأفواه، ومحاولة محاربة المحتوى الفلسطيني تحت مسميات ومفاهيم فضفاضة، فأي تعاطف حتى لو بإعجاب على منشور على منصات التواصل الاجتماعي، أو أي مشاهدة مستمرة لمحتوى مؤيد للمقاومة سيجرمه القانون الجديد.
وأكد خبراء أن هذا القانون وغيره هي محاولة لفرض الرقابة وتخويف الناس في الداخل الفلسطيني، فيما يواصل المحتل بمساندة الشركات منصات التواصل الاجتماعي العالمي حربها على نشر الرواية الفلسطينية في الخارج.
وبينوا أن سن هذا القانون الإسرائيلي الجديد، في ظل الحرب والتصعيد الإسرائيلي وما نتج عنها من انتهاكات لحقوق الإنسان، يرفع من منسوب التجريم بسبب التفسيرات الخاطئة التي من الممكن أن تنسب بسهولة لمن يشاهد الأخبار بهدف الإطلاع على ما يحدث والفضول حول أحداث الحرب، ومن المتوقع أن يكون له أثر كبير وإضافي في تقييد الحريات واستخدامه في التخويف والترهيب بسبب استخدام التعريفات الفضفاضة وغير الواضحة.
ومنذ أكثر من سبعين يوما يواصل المحتل شن حرب رقمية تطورها يوما بعد يوم وتستخدم فيها كل الأدوات من أجل أطباق الحصار الرقمي على قطاع غزة الذي يقطنه أكثر من 2.3 مليون غزي، من تعمد قطع الإنترنت والاتصالات ولخمس مرات ، وتدمير البنية التحتية للاتصالات، وتطويع أدوات الذكاء الاصطناعي في الحرب، يساندها في الخارج كبرى الشركات التقنية العالمية على رأسها شركة ” ميتا” في مواصلتها انتهاك المحتوى الفلسطيني وتقييده مع دعم الرواية الصهيونية والمحتوى التحريضي له.
مركز حملة – المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي، نشر أخيرا ورقة موقف تحت عنوان “ورقة موقف بشأن قانون حظر استهلاك المنشورات الإرهابية الإسرائيلي” وكتبتها المحامية عبير بكر، وتهدف الورقة إلى تحليل القانون من المنظور الحقوقي وبحث انعكاساته على الأرض.
وقال المركز “القانون الإسرائيلي الجديد استهلاك المنشورات الإرهابية وينص على حظر الاطلاع بشكل “منهجي ومنتظم” على منشورات تتضمن الدعوة المباشرة لارتكاب عمل يعرف بالإرهابي وفق مفاهيم القانون الإسرائيلي، أو تتضمن كلمات مديح أو تشجيع أو تعاطف في ظروف تشير إلى الشعور “بالإنتماء” إلى أحد المنظمات “الإرهابية” التي يسري عليها هذا القانون، ويتم بناء عليه العقاب بالسجن لمدة عام كامل
وقالت الورقة “القانون الإسرائيلي الجديد يمهد إلى التجريم السريع لأفراد فلسطينيين/ات لم يرتكبوا أو يخططوا إلى أي مخالفة ، ويزيد من مراقبة السلطات الاسرائيلية للمواطنين/ات الفلسطينيين/ات والتعدي على حقوقهم/ن في الخصوصية وحرية التعبير والمعرفة”.
وسبق محاولة تشريع مثل هذا القانون في فرنسا مرتين من قبل المحكمة الدستورية، لكن تم إجهاضه بسبب انتهاكه لحقوق الإنسان وعدم إمكانية التحقق من خلاله وجود نية حقيقية لارتكاب عمل إرهابي وفقًا لتعريف القانون.
وفي بريطانيا، ينص قانون مكافحة الإرهاب على تجريم الاطلاع على المنشورات التي تكون مفيدة للتخطيط لعمل إرهابي ويكون جزءا من التحضير لارتكاب جريم.
الى ذلك، أكد المركز في الورقة ان القانون يهدف إلى معاقبة الشخص بناء على ما في ذهنه بدلًا من سلوكه والذي يتعارض مع القانون الجنائي الذي لا يعاقب على ما يدور في ذهن الشخص وأفكاره.
وأشار إلى غموض وضبابية القانون إذ تطمس صياغته لحدود المباح والمحظور، ويصعب على المشتبه به إثبات براءته في ظل غياب معايير واضحة وفهم واضح لحدود الاطلاع المسموحة والممنوعة، إضافة إلى ذلك فإن انتهاك خصوصية المواطنين ومراقبة نشاطهم في الفضاء الرقمي قبل إدانتهم أو اتهامهم بأي جريمة يحول جميع المواطنين إلى مجرمين محتملين، ويحد أيضا من عمل الصحفي/ة المربوط بالاطلاع على المحتوى والتعرض للحقائق خلال فترات الطوارئ، مما قد لا يجرم الصحفي/ة فحسب، بل أيضا يؤثر على حق الجمهور في المعرفة.
وقال الخبير في مجال الاتصالات والتقنية وصفي الصفدي “سن مثل هذه التشريعات في هذا التوقيت هو محاولة من الاحتلال لإحكام قبضته على الفضاء الرقمي والحد من التعاطف مع الغزيين والمقاومة بين المستخدمين العاديين أو من يتخصصون في الشأن الإعلامي”.
وأشار إلى أن مثل هذه المحاولات بمثل هذه التشريعات والقوانين هو أمر يخالف المعاهدات الدولية والحقوق الطبيعية للناس في حرية التعبير عن الرأي.
وأبدى مركز ” صدى سوشال” الفلسطيني تخوفه الشديد من هذا القانون وتطبيقه لتجريم مشاهدة محتوى متعلق بالفصائل الفلسطينية، واعتقال المشاهدين والمتفاعلين معه من القدس والداخل المحتل.
وبين المركز المتخصص في مجال الحقوق الرقمية انه رصد خلال الأيام القليلة الماضية اعتقالات فعلية على خلفية ممارسات المستخدمين على منصات التواصل، وطالت حتى فلسطيينيين وفلسطينيات في الضفة الغربية أيضا، وعاقبت سلطات الاحتلال العسكرية، المستخدمين على النشر أو المشاهدة أو التفاعل بالإعجاب والتعليق.
وأكد “صدى سوشال” خطورة في هذا القانون، المتمثلة في محاولة السيطرة والرقابة على الأفكار والاتجاهات الأيديولوجية، والممارسات التفاعلية في العالم الرقمي.
وقال المركز في تعليقه على القانون “اسرائيل كما كلّ أنظمة الاستبداد الأخرى، تمنح نفسها الحق المطلق في التحكم في الإنسان وفكره وتوجهه وممارساته ومعاقبة من لا يلتزم معاييرها التي تخالف بشكل واضح حقوق الإنسان المقرّة عالميًا”.
ووفقا لبيانات عالمية يقدر عدد مستخدمي الانترنت في فلسطين قرابة 3.96 مليون مستخدم، منهم حوالي 2.95 مليون مستخدم لمختلف منصات التواصل الاجتماعي.
الخبير والمدرب في مجال السوشيال ميديا خالد الأحمد قال “ما وصل اليه الاحتلال الصهيوني هو حالة من “الافلاس الحضاري” في كل محاولاته لتقييد الحريات والتفاعلات والتواصل بين الفلسطينيين الذين يتعرضون لهجمة شرسة في الميدان والعالم الرقمي، مشيرا الى ان الاحتلال أصبح يحسب كل الحسابات ويتخوف حتى من المنشورات والمحتوى المتداول على مواقع التواصل.
ووصف الاحمد هذه الخطوات من الاحتلال بانها نوع من ” الديكتاتورية الرقمية” لانها تساعده في اخفاء جرائمه من جهة، وفي تكميم الأفواه في الداخل الفلسطيني، مع سعيه المتواصل للحد من الوعي الشعبي في القضية الفلسطينية وحرب الابادة التي تتعرض لها غزة.
وأكد ان مثل هذه القوانين هي دليل على كذب الاحتلال وادعاءاته المستمرة طيلة السنوات الماضية بانه الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط.
من الجدير بالذكر أن هنالك العديد من منظمات المجتمع المدني في الأراضي المحتلة قد أعربت عن معارضتها للقانون، على عكس المنظمات اليمينية التي رحبت به.
وأشار إلى أن استخدام مصطلحات ومفاهيم فضفاضة في القانون تسمح لسلطات الاحتلال بتجريم أي كان، لإحكام قبضتها على الداخل الفلسطيني.
بيد أن الاحمد يرى أن سن مثل هذه التشريعات والقوانين قد يحد من التفاعل وتقييد حريات الفلسطينيين في الداخل ولكنها لن تؤثر كثيرا على النشر وإيصال الرواية الفلسطينية من الخارج وهو الأمر الذي تولت السيطرة عليه منصات التواصل الاجتماعي العالمية المساندة للصهاينة وسياستها الهمجية.
المصدر الغد