لتحقيق ازدهار المجتمع المنشود من خلال الابتكار والتحول الرقمي، تبرز الحاجة الماسة إلى تعاون متكامل بين كل من القطاع العام، والقطاع الخاص، والقطاع الأكاديمي حيث غالبًا ما يتم التركيز على الشراكة بين القطاعين العام والخاص فقط، في حين يُغفل الدور الحيوي الذي يلعبه القطاع الأكاديمي.
والحقيقة أن دمج القطاع الأكاديمي ضمن هذه الشراكات لا يعزز فقط الابتكار، بل يُسرع أيضًا وتيرة التحول الرقمي، مما يؤدي إلى تحقيق نتائج أكثر شمولاً وفعالية، حيث يُشكل القطاع العام الأساس الذي تُبنى عليه جهود التحول الرقمي، من خلال تطوير البنية التحتية التكنولوجية وإصدار السياسات والتشريعات التي لا بد أن تكون محفزة لتسهل هذا التحول، خاصة أنه يمكن للقطاع العام أن يُحفز الابتكار من خلال تبني التكنولوجيات الجديدة في تقديم الخدمات العامة، مما يُحسن من كفاءتها، ويجعلها أكثر استجابة لاحتياجات المواطنين.
إن القطاع الخاص هو عصب الابتكار والنمو في الاقتصاد، حيث يُسهم في تطوير وتطبيق التكنولوجيات الجديدة، ويدفع هذا القطاع بالنمو الاقتصادي من خلال استثماراته في البحث والتطوير وتقديم حلول مبتكرة تلبي الاحتياجات المتغيرة للمجتمع والسوق.
أما القطاع الأكاديمي فهو المصدر الرئيسي للأفكار الجديدة والابتكارات التي يمكن أن تغذي التحول الرقمي، إذ يُسهم هذا القطاع في تطوير المواهب والمهارات اللازمة البحث والتطوير المستمر لدفع الصناعة الرقمية قُدمًا، ويعزز القدرة التنافسية للمجتمع عالميًا.
ولإشراك القطاع الأكاديمي بفعالية مع القطاعين العام والخاص، لا بد من تبني آلية متكاملة تعتمد على التعاون المستمر وتبادل الخبرات والموارد. إذ ينبغي إنشاء منصات تواصل مشتركة تسمح بالحوار والتنسيق بين القطاعات الثلاثة، مثل المؤتمرات، ورش العمل، والمشاريع المشتركة، لتحديد الأهداف والتحديات المشتركة ووضع استراتيجيات للتعاون.
وبناء عليه، فإن الشراكة والتعاون بين هذه القطاعات الثلاثة تمثل القوة المحركة للابتكار والتحول الرقمي، حيث يُسهل هذا التعاون تبادل المعرفة والموارد بشكل فعّال، ويعزز من تطوير حلول تقنية جديدة تتجاوز التحديات الاجتماعية والاقتصادية، وبالإضافة إلى ذلك، يمكن لهذه الشراكة المتعددة الأطراف أن تجذب استثمارات خارجية، مما يعزز النمو الاقتصادي، وخلق فرص عمل جديدة، مما يسهم في تحقيق مجتمع رقمي مزدهر ومستدام.
من وجهة نظري، إذا بقيت الشراكة محصورة فقط بين القطاعين العام والخاص دون إشراك القطاع الأكاديمي، فقد نفقد بُعدًا حيويًا يغذي الابتكار والتطور المستمر، فالقطاع الأكاديمي يُعد محركًا أساسيًا للبحث والتطوير، مما يوفر الأسس العلمية والتكنولوجية للابتكارات الجديدة، فبدون مشاركته، قد تظهر فجوة في تطوير المهارات والمعارف الضرورية لدعم التحول الرقمي والابتكار على المدى الطويل. كما ستتأثر قدرة المجتمع على توظيف البحث العلمي والتكنولوجي في مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية، مما قد يؤدي إلى تباطؤ وتيرة الابتكار وتحقيق التقدم التكنولوجي، كما أن غياب القطاع الأكاديمي قد يعني عدم الاستفادة من الموارد البشرية المؤهلة والقادرة على إثراء الصناعة والمجتمع بأفكار جديدة وحلول مبتكرة.
لذلك، من الضروري تجاوز نموذج الشراكة التقليدي بين القطاعين العام والخاص ليشمل القطاع الأكاديمي كشريك أساسي في عملية الابتكار والتطوير، وهذا التعاون الموسع لا يعزز فقط التحول الرقمي والابتكار، ولكن يضمن أيضًا استدامتها وتأثيرها الإيجابي على المجتمع.
المهندس نضال البيطار / الرئيس التنفيذي لجمعية انتاج