تقوم الدنيا ولا تقعد إذا ما تعرضت واحدة من منصات التواصل الاجتماعي وخاصة الأكثر شعبية حول العالم لمشاكل أو انقطاعات لأي سبب كان، وتتزايد الشكاوى من الناس وكأنها فقدت شيئا أساسيا في الحياة، فكيف الحال لو فقدنا الاتصال والتواجد على هذه المصنات بشكل تام، سؤال يخفي الكثير من الدلالات والهواجس التي باتت تسيطر على الأردنيين في نظرتهم واستخدامهم لهذه التطبيقات التي يعتبرونها اليوم كالماء والكهرباء.
وبحسب خبراء، تفضح الأعطال التي تتعرض لها هذه الشبكات بين الحين والآخر “ إدماننا الرقمي” على استخدام الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي في مجال التواصل الاجتماعي وتسويق وترويج المنتجات بالنسبة للشركات والمشاريع الناشئة.
وأكد الخبراء أن آثارا اقتصادية سلبية تلحق بالشركات والمؤسسات وخاصة الصغيرة والمتوسطة نتيجة أي أعطال وانقطاعات في منصات التواصل الاجتماعي نتيجة خسارة الإعلانات المدفوعة في حال الانقطاع، كما أن الكثير من المشاكل قد تلحق بصورة هذه الشركات وتواجدها الرقمي أمام عملائها، فيما يفقد العديد من المؤثرين إيرادات أصبحوا اليوم يحصلون عليها نتيجة تواجدهم في فضاء التواصل الاجتماعي.
وقالوا إن على الأفراد والشركات والمؤسسات أن تعتمد في تواجدها الرقمي على سلة من التطبيقات وليس على منصة واحدة أو عدد قليل منها، كما أن على الشركات أن تنشأ مواقع إلكترونية وتطبيقات ذكية خاصة بها حتى تظل موجودة رقميا في حال غياب شبكات التواصل الاجتماعي.
ياتي ذلك في وقت يتزايد فيه استخدام الناس لشبكات التواصل الاجتماعي حول العالم، الذين بلغ تعدادهم حتى بداية العام الحالي أكثر من خمسة مليارات إنسان منهم قرابة 6.5 مليون مستخدم أردني.
بداية الشهر الحالي تعرضت منصات الفيسبوك وإنستغرام وثريدز التابعة لها لأعطال تسببت في عدم تمكن المستخدمين من الولوج لحساباتهم، كما تعرضت منصة الإنستغرام قبل أيام لعطل ثان لم يدم طويلا ما أثار شكاوى وتذمرا كبيرا من مستخدمين في مختلف أنحاء الاعالم.
وكان من أطول الأوقات وأكبر المشاكل التي تعرضت لها منصات التواصل الاجتماعي حول العالم ومنها الأردن، ما طرأ عليها في الربع الأخير من العام 2021 عندما تعرضت فيسبوك وإنستغرام وواتساب وجوجل وأمازون وإكس لمشاكل وانقطاع الاتصال بشبكة الإنترنت ولفترة وصلت إلى قرابة 6 ساعات، ما منع مستخدمي الشركة البالغ عددهم 3.5 مليار من الدخول إلى خدماتها للتواصل الاجتماعي والتراسل، وهو الأمر الذي تسبب في ضجة عالمية كبيرة في كل دول العالم ومنها الأردن.
ويرى الخبير في مضمار التسويق الرقمي والإعلام الاجتماعي يزن صوالحة أن الأعطال والمشاكل والانقطاعات التي تتعرض لها شبكات التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر هي أمور متوقعة لآن العالم الرقمي”غير آمن” على الإطلاق.
وبين صوالحة بأن هذه الأعطال والمشاكل تنقسم إلى قسمين: منها ما ينجم عن أسباب داخلية نتيجة مشاكل وأعطال في أنظمة وبرمجيات المنصات الاجتماعي والتي تتسبب في انقطاع اتصال الناس، ومنا ما ينجم عن أسباب خارجية نتيجة انقطاع أو أعطال بشبكة الإنترنت العالمية بشكل عام، ونتيجة لهجوم سيبراني من قراصنة الإنترنت.
وأكد أن مثل هذه الأعطال والمشاكل في شبكات التواصل الاجتماعي تكشف مديات تعلق وإدمان الناس في استخدام هذه المنصات، والوقت الكبير الذي تقضيه عليها وما تعطيه لهم نفسيا واجتماعيا واقتصاديا خلال هذا الوقت.
ويرى أن الإدمان والتعلق بالإنترنت بشكل عام ومنصات التواصل الاجتماعي على وجه الخصوص هو موجود منذ سنوات وبدرجات متفاوتة لدى المستخدمين بحسب معدل الوقت الذي يقضيه كل فرد عليها والخدمات التي يحصل عليها من هذه المنصات.
وقال بأن هذه الشبكات أوجدت نوع من “الإدمان الرقمي” لدى المستخدمين، إدمان على متابعة أخبار الناس ويومياتهم على التسلية والترفيه وخاصة على المحتوى الفيديوي الذي بدأت تركز هذه المنصات على عرضه يوميا، والإدمان على التواجد الشخصي اليومي للمستخدم من خلال المحتوى المكتوب أو المصور أوالفيديوي، وجميعها أمور أسهمت في خلق نوع من التباعد الاجتماعيوعلى المستوى الاقتصادي قال صوالحة إن شريحة واسعة اليوم من الشركات الصغيرة والمتوسطة باتت تعتمد على مختلف منصات التواصل الاجتماعي للترويج لمنتجاتها واستهداف مختلف شرائح المستهلكين في أوقات متنوعة من السنة، كما أن الكثير من المشاريع الريادية والناشئة تعتمد عليها في أعمالها، وبالتالي فإن أي مشاكل أو انقطاعات في شبكات التواصل الاجتماعي فذلك يعني غياب هذه الشركات عن عملائها والناس ما يتسبب لها بخسارات قد تكون كبيرة وخاصة أن الكثير من إعلاناتها الموجهة تكون مدفوعة.
ومن جانبه قال المستشار والخبير في مضمار الإعلام الاجتماعي خالد الأحمد إن ما أوجدته منصات التواصل الاجتماعي من عالم رقمي قائم بحد ذاته هو غير مسبوق على الإطلاق في صناعة الإنترنت، وهو يرى بأن هذه المنصات أصبحت “متنفسا للناس”، و”مكانا للتواصل مع مجموعات وأفراد” و” مصدرا للمعلومة” و” نافذة لمتابعة الأخبار والأحداث” و” مكانا للترفيه والتسلية”، وكذلك مصدرا كبيرا لـ “ التعلم”.
وبين الاحمد أن الكثير من المستخدمين في الأردن اليوم يعتمدون على منصات التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها للحصول على كل ما سبق.
وبالتبعية أكد الأحمد أن أي مشاكل أو أعطال في هذه المنصات ستجعل الناس يشعرون بالاستياء والضجر وبأشكال متفاوتة حسب حجم التعلق والاعتماد، حتى أن البعض قد يشعر بأنه قد انقطع عن العالم بأكمله وبأنه أصبح في جزيرة معزولة.
وأشار إلى أن هذه المنصات والتطبيقات سهلت كثيرا موضوع التواصل الدولي بكبسة زر وبشكل مجاني، بين عائلات وأصدقاء أو أصحاب علاقات بالعمل أو الحياة الاجتماعية، وبالتالي فإن أي انقطاعات في خدمات التواصل الاجتماعي سيسهم في انقطاع الاتصال بين هذه الشريحة من المستخدمين الذي باتوا يعتمدون عليها بشكل كبير في مجال الاتصالات الدولية.
وقال إن خسائر مادية ستلحق بشركات ومشاريع تعتمد على الإعلان والتسويق الرقمي عبر منصات التواصل الاجتماعي في حال انقطاعها عن العمل.
ويرى الأحمد أن على المستخدم الواحد ألا يركز استخدامه وتواصله الاجتماعي في منصة واحدة وأن عليه أن ينوع سلة التطبيقات التي يستخدمها حتى يكون لديه بديل احتياط في حال انقطاع واحدة، كما أن على الفرد أن يقلص حجم استخدامه اليومي لمنصات التواصل الاجتماعي وللضرورات وعدم الاندماج كليا في هذا العالم الذي قد يفقده في وقت ما، على الإنسان أن يمارس أنشطة حياتية وهوايات وأعمال مفيدة له في حياته اليومية، بدلا من قضاء وقت طويل غير مفيد عبر هذه المنصات وخاصة أن كثيرا منها بات يقدم محتوى، ويرى كثيرون بأنه بات يؤثر بشكل سلبي على المجتمع والناس وصغار السن.
وطرح المستشار والمدرب في مجال التسويق الرقمي إبراهيم الهندي مفهوم “ الصوم الرقمي” الذي يرى بأن على المستخدمين تطبيقه في كل الأوقات وليس فقط في أوقات الانقطاعات والأعطال التي تتعرض لها شبكات التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر، لأهمية هذا المفهوم في توجيه استخدامنا منصات التواصل الاجتماعي بعيدا عن سلبياتها نتيجة الإسراف وقضاء وقت طويل عليها ما يبعدنا عن حياتنا الحقيقية ويقلل من إنتاجيتنا وتواصلنا الوجاهي.
وقال الهندي إن شبكات التواصل الاجتماعي تشكل جزءا مهما من حياة الناس، وأصبح الاعتماد عليها بشكل أساسي في تواصلهم مع الآخرين وإجراء عمليات الشراء، والاطلاع على الأخبار والترفيه وقضاء الوقت، كما أن شركات ومؤسسات من مختلف القطاعات باتت تعتمد بشكل أساسي وتدفع الكثير من المال لاستخدام الإعلانات الممولة والموجهة عبر هذه المنصات، فضلا عن كون هذه المنصات أصبحت مصدر دخل كبير للكثير من الأفراد من المؤثرين والرياديين وأصحاب المشاريع الناشئة ممن يعتمدون على المحتوى كمصدر دخل.
وأشار إلى أن أي مشاكل أو انقطاعات في هذه الشبكات لا بد وأنها ستؤثر سلبا اقتصاديا واجتماعية على كل المستخدمين.
وبين الهندي أنه على الرغم من وجود عدد كبير جدا من منصات التواصل الاجتماعي، يميل معظم الناس إلى التفكير في “الخمسة الكبار”: فيسبوك و إكس وإنستغرام ويوتيوب وتيك توك، وكل شخص يستخدم المنصات التي تحقق له أهداف استخدامه لهذه المنصات.