في السنوات الأخيرة، ظهر الذكاء الاصطناعي كقوة محورية تُحدث تغييرات جذرية في الصناعات على مستوى العالم، ولم يكن العالم العربي استثناءً، إذ إن دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل قطاعات مثل الرعاية الصحية والمالية وخدمة العملاء، مما يُنذر بتغييرات كبيرة في اتجاهات التوظيف ومتطلبات العمل في المنطقة.
ففي قطاع الرعاية الصحية، يُعتبر تأثير الذكاء الاصطناعي عميقًا، خاصة في التشخيص، والعناية بالمرضى، وأنظمة الإدارة، لاسيما أن أدوات الذكاء الاصطناعي تساعد على تحليل البيانات الطبية المعقدة، مما يؤدي إلى تشخيصات أسرع وأدق، فعلى سبيل المثال، تُسْتَخْدَم خوارزميات الذكاء الاصطناعي للكشف عن الأورام في صور الأشعة السينية والرنين المغناطيسي بدقة تضاهي، أو تفوق دقة الأطباء البشريين.
ولذلك فإن هناك حاجة ماسة إلى حلول رعاية صحية متقدمة، فالذكاء الاصطناعي يعزز كفاءة ووصول الخدمات الطبية، ولكن هذا يعني أيضًا أن الطلب على الأدوار التقليدية قد ينخفض، بينما سيزيد الطلب على المحترفين الملمين بالتكنولوجيا، مما يستلزم تغييرًا في التعليم والتدريب الطبي.
وفي القطاع المالي، يحدث الذكاء الاصطناعي تحولا مماثلًا، حيث يتم أتمتة المهام الروتينية مثل إدخال البيانات وتحليلها، واستفسارات العملاء، ومعالجة المعاملات، ففي البنوك على سبيل المثال، تتولى الدردشة الآلية والمساعدون الافتراضيون مهام خدمة العملاء، مما يوفر خدمة على مدار الساعة تعزز رضا العملاء وكفاءة العمليات.
وعلاوة على ذلك، يلعب الذكاء الاصطناعي دورًا حيويًا في الكشف عن الاحتيال، من خلال استخدام تقنيات الكشف عن المعاملات الاحتيالية فورا، خاصة ان هذا التحول التكنولوجي يخلق طلبًا على المهنيين المتخصصين في الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات، بينما يقلل الحاجة إلى الموظفين في الأدوار المصرفية التقليدية.
أما في مجال خدمة العملاء يؤثر الذكاء الاصطناعي بشكل كبير، فالمساعدون الافتراضيون والدردشة الآلية أصبحت شائعة، حيث تتمكن من التعامل مع مجموعة واسعة من استفسارات العملاء دون تدخل بشري. هذا لا يسرع فقط من أوقات الاستجابة، ولكنه أيضًا يتيح لممثلي خدمة العملاء التركيز على احتياجات العملاء الأكثر تعقيدًا ودقة. وفي العالم العربي، حيث تعتبر قطاع خدمة العملاء من القطاعات الكبرى للتوظيف، فإن تبني الذكاء الاصطناعي يدفع الشركات إلى إعادة تدريب قوتها العاملة لإدارة الأنظمة الآلية أو تنفيذ مهام أكثر تخصصًا لا يمكن للذكاء الاصطناعي التعامل معها.
إن التأثير المتزايد للذكاء الاصطناعي في العالم العربي يمثل سيفًا ذو حدين، بينما يعد بزيادة الكفاءة وإمكانية وجود وظائف ذات قيمة أعلى، فإنه يطرح أيضًا تحديات تتعلق بتهديد الوظائف وعدم ملاءمة المهارات، حيث يتم أتمتة المهام الروتينية، يزداد الطلب على مهارات التقنية المتقدمة، والقدرة على حل المشكلات والتكيف في سوق العمل، لذلك، يجب على الحكومات والمؤسسات التعليمية في العالم العربي أن تعمل على تعديل المناهج وبرامج التدريب لإعداد الجيل القادم للاقتصاد المدفوع بالذكاء الاصطناعي. والمهارات الرقمية.
وأخيرا وليس آخرا، إن تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل عميق ومتعدد الجوانب، بينما يوفر فرصًا للابتكار والنمو، فإنه يتطلب أيضًا التخطيط الاستراتيجي وصياغة سياسات استباقية لضمان انتقال القوى العاملة بسلاسة إلى الأدوار الجديدة التي يخلقها الذكاء الاصطناعي، واستقبال هذا التغيير عوضا عن مقاومته سيكون المفتاح للنجاح في المشهد الرقمي المتطور بسرعة.
*الرئيس التنفيذي
جمعية شركات تقنية المعلومات والاتصالات – إنتاج