بينما تتسابق الشركات الناشئة لجذب النقد لمساعدتها في التحول إلى مشاريع موظفة ومؤثرة في الاقتصاد باتت بيئة الأعمال المحلية والإقليمية تزدحم بعديد من الصناديق الاستثمارية المتخصصة في تشغيل الأموال في مثل هذا النوع من الشركات.

ويؤكد خبراء أن مصادر تمويل الشركات الناشئة باتت متواجدة بكثرة في السوق المحلية، لكن الحصول على التمويل يتعلق إلى حد كبير بمدى قدرة الشركة الناشئة على إقناع الممولين بالحصول عليه.

ويشير متخصصون إلى أن هنالك نحو 30 صندوقا استثماريا محليا واقليميا وعالميا يستثمرون اليوم في الشركات الناشئة الأردنية وهو عدد غير مسبوق مقارنة بحالة منظومة ريادة الأعمال قبل 15 عاما، وهو الأمر الذي يشكل فرصة كبيرة للشركات الناشئة الأردنية للحصول على التمويل المناسب وفقا للمرحلة التي تمر بها في منظومة تضم قرابة 400 شركة ناشئة.

وبين الخبراء أن الاستثمار والتمويل هو بمثابة “الأوكسجين” للشركة الناشئة التي غالبا ما تحتاج إلى الدعم المالي وخصوصا في المراحل المبكرة من العمل.

بيد أن الخبراء شددوا على أنه رغم التقدم الذي شهدته منظومة ريادة الأعمال الأردنية إلا أنها ما تزال بحاجة إلى عمل جاد ومتواصل من الأطراف كافة وذلك بهدف توليد أكبر عدد من الشركة ” ذات الجودة العالية” وذات الجدوى الاستثمارية التي تقدم قيمة حقيقية تحفز المستثمر والصناديق الاستثمارية على الاستثمار فيها.

وبلغة الأرقام، يحتل قطاع ريادة الأعمال في الأردن المركز الرابع على مستوى الإقليم، مع وجود حوالي 30 مؤسسة تمويلية وصندوقا استثماريا معنيا بالاستثمار في المشاريع الريادية، مع وجود أكثر من 40 حاضنة ومسرعة أعمال في المملكة.

ويحتضن الأردن 200 شركة ناشئة مسجلة وفقا لدراسات محايدة، فيما تقدر دراسات أخرى أن عدد الشركات الريادية في الأردن يتجاوز 400 شركة معظمها تقنية، أو تطوع التقنية لخدمة القطاعات الأخرى.

وأكد الرئيس التنفيذي للصندوق الأردني للريادة محمد المحتسب أمس أن منظومة ريادة الأعمال الأردينة شهدت في السنوات الاخيرة تطورا ملحوظا وأن الشركات الأردنية قادرة على جذب الاستثمارات وهو ما أثبتته تجربة الصندوق في الأردن الذي يعتبر ” صندوق الصناديق الاستثمارية”.

وبين المحتسب أن تحدي التمويل والاستثمار في الشركات الناشئة لم يعد يمثل تحديا رئيسيا للشركات الناشئة الأردنية مع توافر حوالي 30 صندوقا استثماريا تقدم التمويل والاستثمار للشركات الناشئة في مختلف مراحلها، منها 19 صندوقا استثمر فيها الصندوق الأردني للريادة لتقوم بدورها بالاستثمار في الشركات الناشئة الأردنية.

وأشار إلى أن الصندوق الأردني للريادة تمكن منذ إطلاقه في الربع الأخير من العام 2018 وحتى الآن من في حوالي 140 شركة ناشئة أردنية، 24 منها من خلال الاستثمار فيها بشكل مباشر و116 شركة ناشئة بشكل غير مباشر ( من خلال الصناديق والجهات الاستثمارية التي استثمر فيها الصندوق)”.

وأكد المحتسب أن هناك تحديا اليوم في منظومة ريادة يتمثل في توفير شركات ناشئة ذات جودة عالية قادرة على جذب الاستثمار للاستفادة من تنوع وتعدد الصناديق الاستثمارية التي تتواجد في المنظومة.

وحول الأثر الاقتصادي للشركات التي جرى الاستثمار بها من قبل الصندوق بشكل مباشر أو غير مباشر  قال المحتسب إن “هذه الشركات تمكنت خلال السنوات الماضية من توفير ما مجموعه 1700 فرصة عمل للشباب الأردني في مجالات العمل المختلفة التي تعمل بها هذه الشركات، كما انها تمكنت من جذب استثمارات لاحقة وجولات استثمارية تقدر بنحو 160 مليون دولار”.

وأكد أن علينا العمل بشكل متواصل لإنشاء أكبر عدد من الشركات الناشئة الأردنية القادرة على جذب الاستثمار والاستفادة منها اقتصاديا في توفير فرص العمل وتحسين القطاعات المختلفة، وتحريك الاقتصاد، لافتا إلى أن الصندوق عمل في مسار له على دعم 7 حاضنات أعمال أردنية متخصصة للمساهمة في تطوير منظومة ريادة الأعمال الأردينة.

وبالتوازي تعمل الحكومة اليوم على تنفيذ السياسة العامة لريادة الأعمال التي أقرت في العام 2021 بهدف “تهيئة بيئة صديقة ومحفزة لريادة الأعمال في المملكة وإزالة العوائق أمامها بما يضمن تعظيم الإمكانات الاقتصادية لمنظومة ريادة الأعمال الأردنية ونموها”، عن طريق العمل على تسهيل البيئة التشريعية لريادة الأعمال، بالتنسيق مع الجهات كافة، وتشجيع الاستثمار في الشركات الريادية الأردنية.

وتضمنت السياسة ستة محاور رئيسية ستعمل الحكومة بقيادة وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة على تطويرها بهدف خلق بيئة محفزة ومشجعة على ريادة الأعمال في المملكة وهي : محور البيئة التشريعية والتنظيمية لتكون مواتية لريادة الأعمال، ومحور يعنى بالموارد البشرية، ومحور تسهيل النفاد إلى الأسواق المحلية والإقليمية والعالمية، تسهيل النفاد إلى مصادر التمويل، توفير مجالات الدعم، والنظرة الثقافية لريادة الأعمال.

الخبير في مجال التقنية والاقتصاد وصفي الصفدي يرى أن “ريادة الاعمال الحقيقية هي عملية تحديد وإنشاء ومتابعة فرص الأعمال المبتكرة بهدف توليد القيمة وحل المشكلات وتحقيق النمو المستدام”.

وقال إن “ريادة الأعمال ” تتجاوز مجرد بدء عمل تجاري”؛ ولكنها عملية تتعلق الأمر بالمخاطرة المحسوبة، والتكيف مع التغييرات، والعمل المستمر لإحداث تأثير إيجابي، وهي بحاجة إلى الاستثمار والتمويل لتحقيق ذلك”.

وأكد الصفدي أن لريادة الأعمال أثرا إيجابيا على الاقتصاد الوطني بتوفير فرص عمل والحد من البطالة، والاستفادة من التطور التكنولوجي وتحويل الأفكار إلى منتجات وخدمات توفر احتياجات الناس وقد لمسنا أهميتها خلال جائحة كورونا وكيف تم تطويع التكنولوجيا لخدمة الناس وتوفير احتياجاتهم.

وبناء عليه قال الصفدي إن “ريادة الأعمال تقوم بدور تكميلي لأنها تسد الثغرات التي تعجز الدولة عنها بتوفير فرص عمل” مسترشدا بأرقام عالمية تظهر أن ريادة الأعمال تسهم بنسب عالية في اقتصادات الدول إذ إنها تسهم بنسبة تصل إلى 50 % في الاقتصاد الأميركي، 60 % الصين، و70 % هونج كونج.

وأكد أهمية عامل الاستثمار والتمويل في جميع مراحل حياة الشركة الناشئة ، مشيرا إلى أن  جذب الاستثمار هو ” ماراثون وليس سباق سريع”، وأن على الريادي أن يتحلى بالصبر والمثابرة والعمل لتقديم شركة ناشئة قادرة على جذب الاستثمار، لأن جذب الاستثمار يتطلب أن تقدم  قيمة حقيقية للمستثمرين وإظهار التزام الشركة الناشئة بالنجاح.

وأشار إلى أن دولا عديدة قامت بتوفير صناديق استثمارية وتبنت الشركات حاضنات للأعمال  لدعم تلك المشاريع لما لها ما آثار على الاقتصاد الوطني بحيث تساهم تلك الصناديق بتوفير الدعم المادي والتدريب المناسب لأصحاب المشاريع لإطلاق مشاريعهم لخدمة المجتمعات المحلية والدولية.

وحول ما يبحث عنه الصندوق الاستثماري أو المستثمر في الشركة الناشئة بين الصفدي أن المستثمرين يبحثون عن فكرة ابتكارية تسد حاجة حقيقية في السوق تتكون من فرق عمل متحمسة وماهرة ولديها خطة إستراتيجية قوية واضحة ورؤية لاستهداف الأسواق والتوسع وميزة  تنافسية تمكنها من التفوق والاستمرار في العمل والنمو.

وعن أبرز القطاعات الجذابة التي تدفع المستثمرين اليوم للاستثمار في الشركات الناشئة بين الصفدي أن أهمها قطاعات التقنية المالية، والاستدامة، و تقنيات التعليم، والذكاء الاصطناعي وغيرها من القطاعات الواعدة.

وكان تقرير لوزارة الاقتصاد الرقمي والريادة، أصدرته أواخر العام الماضي بالشراكة مع شركة “ماجنيت” المتخصصة في بيانات الاستثمار الجريئ في الشركات الناشئة، أظهر أن الأردن حصد 246 مليون دولار عبر 220 صفقة على مدى السنوات الخمس الماضية.

الخبير في مجال ريادة الأعمال نضال قناديلو أكد أن محور الاستثمار والتمويل لم يعد تحديا كبيرا في بيئة ريادة الأعمال الأردينة كما كان عليه الوضع قبل أكثر من 15 عاما، وذلك مع توافر عدد كبير من الصناديق الاستثمارية المتخصصة في دعم الشركات الناشئة وزيادة عدد الجهات الداعمة لريادة الأعمال وحاضنات الأعمال.

بيد أن قناديلو يرى أننا ما زلنا بحاجة إلى التركيز على توفير صناديق ومستثمرين يستثمرون في مرحلة الفكرة، حيث تزداد المخاطرة لدى المستثمر في هذه المرحلة من مراحل عمر الشركات الناشئة.

واكد أننا قطعنا شوطا مميزا في تطوير منظومة ريادة الأعمال الأردينة حيث إن العديد من الشركات الناشئة الأردنية قد تمكنت من تحقيق النجاح والتوسع في العمل وجذب استثمارات بالملايين، ولكننا بحاجة كبيرة اليوم إلى توليد أكبر عدد من الشركات الناشئة التي يمكن أن تفرز لنا قصص نجاح مميزة، لا سيما وأن القاعدة العامة في عالم ريادة الأعمال تقول إن نسبة كبيرة من الشركات الناشئة تتعرض للفشل والخروج من السوق.

وشدد قناديلو على أهمية دعم حاضنات الأعمال وزيادة عددها لتعمل على توليد أكبر عدد من الأفكار والشركات الناشئة التي يمكن تفرز قصص نجاح وشركات ناشئة قادرة على الاستمرار والتأثير إيجابا في الاقتصاد في المستقبل.

ولخص قائلا  ” التحدي الأكبر الذي يواجه منظومة ريادة الأعمال اليوم يتمثل في توفير شركات ناشئة قادرة على جذب الاستثمار”، مبينا أن القدرة على جذب الاستثمار تتطلب شركة تقوم على فكرة أو خدمة أو منتج يحل مشكلة لدى المستهلك بحيث يكون مستعدا لدفع ثمنا لهذه الخدمة أو ذلك المنتج، وقدرة على التوسع في السوق المحلية والأسواق العالمية لا سيما وأننا نعيش اليوم في عالم مفتوح مبني على الإنترنت والتقنية.

المصدر الغد