تلعب التكنولوجيا في عصرنا دورًا محوريًا في تشكيل مستقبل التعليم مما يتطلب منا بناء جسور متينة بين التحول التكنولوجي والقيم الإنسانية التي تشكل أساس مجتمعاتنا.

لذلك، فإن التحول الرقمي لا يقتصر على توفير أدوات تقنية فقط، بل هو عملية شاملة تهدف إلى تحسين التجربة التعليمية وتعزيز التفكير النقدي والمسؤولية الأخلاقية لدى طلابنا، حيث توفر التكنولوجيا الحديثة، -مثل الذكاء الصناعي وتحليل البيانات-، أدوات قوية لدراسة وفهم المجتمعات والثقافات بطرق لم تكن ممكنة من قبل، ومع ذلك؛ يجب استخدام هذه الأدوات بحكمة وحذر للحفاظ على القيم الإنسانية التي تميزنا، فالاعتماد المفرط على التكنولوجيا دون مراعاة الجوانب الإنسانية قد يؤدي إلى تهميش تلك القيم والتقاليد التي تشكل هويتنا.

وفي هذا السياق، يمكننا الاستفادة من التجربة السنغافورية التي نجحت في دمج التكنولوجيا في التعليم دون الإخلال بالقيم المجتمعية، حيث استثمرت بشكل كبير في البنية التحتية التقنية والتدريب المستمر للمعلمين، مع الحفاظ والتركيز على القيم الآسيوية التقليدية مثل احترام الكبار والعمل الجماعي.

ولقد استثمرت سنغافورة في تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات  (STEM)، الأمر الذي أدى إلى إيجاد جيل من المبتكرين ورواد الأعمال، ساهموا في تعزيز مكانة البلاد بجعلها مركزا تقنيا عالميا.

وهذا النهج المتوازن ساهم في تطوير نظام تعليمي يُعد واحدا من الأفضل عالميًا.

وبالإضافة إلى ما تقدم، لا بد للمؤسسات الأكاديمية أن تلعب دورًا حاسمًا في توجيه استخدام التكنولوجيا بشكل أخلاقي ومسؤول، مما يحتم علينا أن نعمل جميعًا بحرص لضمان الممارسات الأخلاقية عند دمج التكنولوجيا في التعليم، وذلك لضمان جعل التكنولوجيا في خدمة الإنسان وليس العكس. وهذا يشمل مواضيع مثل الحفاظ على خصوصية البيانات، وأمن المعلومات، وحقوق الملكية الفكرية، والتعامل مع المعلومات المضللة والتمييز بينها وبين المعلومات الموثوقة، بالإضافة إلى حسن التعامل مع الآخرين في العمل والالتزام بالوقت، وغيرها.

 وبالتالي، من الضروري تطوير مناهج تعليمية تعزز الوعي بأخلاقيات التكنولوجيا وتطبيقاتها، وبالمقابل المناهج تعمل على تشجيع التفكير النقدي والتحليل المستقل.

وبفضل التقدم التكنولوجي، هناك فرص هائلة لطلابنا، لكنها فرص تأتي مع مسؤوليات كبيرة، إذ يجب أن يكونوا مستعدين للتكيف مع متطلبات العصر الرقمي، وأن يسعوا لاكتساب المهارات التقنية والرقمية اللازمة للمشاركة الفعالة في الاقتصاد الرقمي، مع الالتزام بالمبادئ والقيم الأخلاقية التي توجه استخدامهم للتكنولوجيا، لضمان تحقيق التنمية المستدامة والشاملة.

إن التحول الرقمي لم يعد خيارًا، بل أصبح ضرورة حتمية سواءً للقطاع العام، والخاص، وبالتأكيد لقطاع التعليم للحفاظ على تنافسيتها  وجودة مخرجاتها.

فالاستثمار في تعليم التكنولوجيا والابتكار هو مفتاح تحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي الذي نصبو إليه، لذلك فإن الاستفادة من التجربة السنغافورية في التحول الرقمي في التعليم تمثل فرصة عظيمة لنا جميعًا، لكنها تتطلب تضافر جميع الجهود من كافة المستويات  لضمان مستقبل أفضل.

فالتعرف ودراسة التجارب العالمية الناجحة والعمل على تكييفها بما يتناسب مع خصوصيات مجتمعنا يمكننا من استخدام التكنولوجيا كأداة لتمكين الإنسان وتعزيز تقدمه، وليس كغاية بحد ذاتها مما يمكننا من ضمان جعل التحول الرقمي قوة إيجابية تدفع بمجتمعاتنا نحو مستقبل أكثر إشراقًا واستدامة.

*الرئيس التنفيذي لجمعية شركات تقنية المعلومات والاتصالات “إنتاج