يشهد العالم سباقًا محمومًا في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث تتنافس منصات مثل “ChatGPT” الأمريكية و”DeepSeek” الصينية على الهيمنة؛ إذ لم تعد هذه المنصات مجرد أدوات تقنية، بل أصبحت تؤثر بشكل كبير على مستقبل العالم الرقمي، بما في ذلك العالم العربي.
ومع ذلك، يبقى السؤال الملح: إلى متى سنظل مستهلكين لهذه التكنولوجيا دون أن نصبح منتجين ومبتكرين لها؟!
ومع ازدياد الاعتماد على منصات الذكاء الاصطناعي الأجنبية، تبرز إشكالية السيادة الرقمية، حيث تصبح البيانات والمعلومات تحت سيطرة جهات خارجية، مما يهدد الأمن القومي، ويحد من قدرة الدول العربية على اتخاذ قرارات مستقلة.
ففي الوقت الذي تعكس فيه “ChatGPT” القيم والثقافة الغربية وتقدمها في التكنولوجيا الرقمية، تأتي “DeepSeek” كجزء من استراتيجية الصين لتعزيز مكانتها التكنولوجية، مما يعكس صراعًا أعمق على النفوذ الرقمي العالمي والقيمي والثقافي.
وبالرغم من تزايد استخدام هذه المنصات في العالم العربي، فإنها لا تزال تكرس حالة من التبعية التكنولوجية رغم ما تمتلكه من عقول وكفاءات متميزة.
إن المنطقة العربية، لم تحقق بعد الاكتفاء الذاتي في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب، أبرزها نقص الاستثمار في البحث والتطوير، وغياب استراتيجيات واضحة لتعزيز الابتكار التكنولوجي، بالإضافة إلى هجرة العقول إلى الدول المتقدمة.
إن استمرار الوضع على ما هو عليه يعني أن العالم العربي سيبقى مستهلكًا للتكنولوجيا لا منتجًا لها، مما يعيق قدرته على تحقيق السيادة الرقمية، ويجعله تابعًا للدول المتقدمة.
إن تحقيق السيادة الرقمية يتطلب جهودًا جادة من الحكومات والقطاع الخاص والمؤسسات الأكاديمية، فالتطور التكنولوجي لا يمكن أن يحدث دون بيئة داعمة توفر الاستثمارات اللازمة في البحث والتطوير، تعمل على إدخال مناهج تعليمية متقدمة تركز على الذكاء الاصطناعي والبرمجة، وتهيئ الأجيال القادمة لمواكبة متطلبات العصر الرقمي.
إلى جانب ذلك، ينبغي على الدول العربية وضع قوانين صارمة لحماية البيانات، وتطوير مراكز بيانات محلية تقلل من الاعتماد على المنصات الأجنبية، وتعزز الابتكار من خلال دعم الشركات الناشئة ومنحها الفرصة للمساهمة في مشاريع تكنولوجية وطنية.
إن الأردن، بفضل كوادره البشرية المؤهلة، يمتلك فرصة كبيرة ليكون مركزًا إقليميًا لتطوير الذكاء الاصطناعي، فمن خلال تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص والمؤسسات الأكاديمية يمكن إطلاق مبادرات وطنية تسهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي في هذا المجال.
كما أن دعم الشركات الناشئة، وتوفير البيئة الحاضنة لها، ووضع سياسات واضحة وشاملة لدعم الابتكار التقني، كلها خطوات ضرورية لتحويل الأردن إلى لاعب رئيسي في مجال الذكاء الاصطناعي على مستوى المنطقة.
أخيرا، إن التنافس بين المنصات الذكية العالمية لا يعكس فقط تطورًا تقنيًا، بل هو جزء من صراع عالمي على الهيمنة الرقمية، ففي ظل هذا الواقع، لا يمكن للعالم العربي أن يظل متلقيًا لهذه التكنولوجيا ومستخدما لها دون السعي إلى تطوير بدائله الخاصة من خلال التحرك السريع نحو الاستثمار في البحث العلمي، ودعم التعليم التكنولوجي، وحماية البيانات، وهذا ليس مجرد خيار، بل هو ضرورة لضمان مستقبل رقمي مستقل ومستدام.
إن التحول من مستهلكين للتكنولوجيا إلى منتجين لها هو التحدي الحقيقي الذي ينبغي على الدول العربية مواجهته اليوم قبل الغد.
فهل من مبادر؟!
*الرئيس التنفيذي لجمعية شركات تقنية المعلومات في الأردن – إنتاج