في عام 2023، أعلنت الحكومة الأردنية عن إستراتيجيتها الوطنية للذكاء الاصطناعي تماشيًا مع رؤية التحديث الاقتصادي والتحول الرقمي. حيث ركزت الإستراتيجية على خمسة أهداف شملت بناء القدرات الوطنية، وتشجيع البحث العلمي، وتحفيز بيئة الاستثمار وريادة الأعمال، وتطوير البيئة التشريعية، وتطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي لرفع كفاءة القطاع العام والقطاعات ذات الأولوية.
عالمياً، يشهد الذكاء الاصطناعي سباقاً محموماً بين القوى الكبرى. الصين تستثمر بكثافة في تصميم وتصنيع الرقائق، وتطوير نماذج الذكاء الاصطناعي، وتعزز قدراتها المحلية في سعيها لفك الارتباط التكنولوجي عن الغرب ضمن توجه قد يقسم العالم تكنولوجيًا. بينما الولايات المتحدة تتمترس خلف سياستها الحمائية بفرض القيود على تصدير التقنيات المتقدمة بشكلٍ يخنق منافسيها وأحيانًا حلفاءها. في المقابل، تحاول دول الخليج، خاصة الإمارات والسعودية، التحول لمراكز إقليمية للذكاء الاصطناعي رغم كل التحديات.
فهل يغيب الأردن ضمن هذا السياق عن المشهد بغياب رؤية إستراتيجية تنظر إلى الذكاء الاصطناعي بوصفه ساحة للصراع والفرص لا مجرد أداة دعم للقطاع العام؟ حيث تُظهر الإستراتيجية المعلنة بعض الفجوات تشمل غياب التحليل التنافسي للوضع الإقليمي والدولي، وضعف التركيز على مفهوم السيادة التقنية أو الحوسبة السيادية، وإغفال تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، رغم أنها تقود الثورة الحالية، وضعف الارتباط بالسياسات الصناعية وغياب التوجه الوطني للحوسبة عالية الأداء، وفي النهاية غياب التفكير في تموضع الأردن كمركز أخلاقي ومعرفي إقليمي.
أمام هذه الفجوات، هناك حاجة ملحة لتجاوز منطق التخطيط القطاعي التكيّفي، نحو بناء فكر إستراتيجي أردني أصيل يتعامل مع الذكاء الاصطناعي لا كأداة لتحسين الخدمات فقط، بل كبنية تحتية سيادية جديدة يعاد عبرها تشكيل موقع الدولة في الاقتصاد والسياسة والمجتمع، مما يتطلب الانتقال من تبني الحلول إلى المشاركة في صياغتها، ومن استيراد النماذج إلى تطوير معرفة وطنية قابلة للتصدير، وذلك ضمن فهم عميق لمكانة الأردن في المنظومة الجيوسياسية الراهنة، حيث يمكنه أن يكون فاعلًا لا تابعًا، شريكًا في الحوكمة لا مستهلكًا للمنصات.
لتحقيق ذلك، لا بد من تبنّي رؤية إستراتيجية تضع نصب أعينها بناء صناعة وطنية للذكاء الاصطناعي تعتمد على الميزات النسبية للأردن كرأس المال البشري المرن، والانفتاح الإقليمي، والبنية القانونية المتقدمة نسبيًا حين تعزز بمرونة التجريب التنظيمي. هذه الرؤية تستوجب تفكيرًا مستقلًا قادر على التحرك بمرونة، وربط الذكاء الاصطناعي بمجالات تعطي الأردن ميزة تنافسية. إنها ليست دعوة لمنافسة الكبار، بل لحجز مقعد متفرد في مشهد متعدد الأقطاب، حيث تصبح القيمة الأخلاقية والمعرفية بحد ذاتها شكلًا من أشكال السيادة الرقمية.
ختاماً، إذا أراد الأردن أن يحجز مقعداً متقدماً في سباق الذكاء الاصطناعي، فعليه أن يتحول من مستهلك للتقنيات إلى صانع لفرصه الإستراتيجية. والسؤال ليس كيف نستخدم الذكاء الاصطناعي؟ بل كيف نعيد تشكيل مكانتنا من خلاله؟.
المصدر الغد