يُعد السوق السوري، في عهده الجديد، فرصة استراتيجية محورية للأردن، لا سيما في قطاعات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وريادة الأعمال. فبعد سنوات من التحديات، تتجه العلاقات الاقتصادية بين البلدين نحو مرحلة جديدة من التعاون البناء، قائمة على مبدأ “رابح-رابح”، حيث تعود الفائدة على كلا البلدين الشقيقين.

ويُمثل السوق السوري عمقاً استراتيجياً للأردن، وبوابة حيوية لأسواق أوسع في المنطقة. مع بدء جهود إعادة الإعمار في سوريا، والتي تقدر تكلفتها بمئات المليارات من الدولارات، إذ تشير تقديرات من مصادر مختلفة إلى أن تكلفة إعادة الإعمار تتراوح بين 250 مليار و 900 مليار دولار أمريكي، وتبرز الحاجة الماسة للبنية التحتية والخدمات، مما يفتح آفاقاً واسعة أمام الشركات الأردنية.

تاريخياً، كان التبادل التجاري بين البلدين مزدهراً، وقد شهدت الصادرات الأردنية إلى سوريا نمواً ملحوظاً في الفترة الأخيرة. ففي أول شهرين من عام 2025، ارتفعت الصادرات الأردنية إلى سوريا بنسبة 482%، لتصل قيمتها إلى 35.377 مليون دينار أردني مقارنة بـ 6.077 مليون دينار في نفس الفترة من العام السابق. ويُقدر الناتج المحلي الإجمالي لسوريا حالياً بأقل من 30 مليار دولار، بعد أن كان 67.5 مليار دولار في عام 2011، مما يشير إلى حجم السوق المحتمل للنمو الكبير.

يتمتع الأردن بقطاع اتصالات وتكنولوجيا معلومات متطور وناضج، يمتلك خبرات وكفاءات عالية. هذا القطاع مؤهل لتقديم حلول متكاملة لسوريا في مجالات التحول الرقمي، تطوير البنية التحتية للاتصالات، وتقديم الخدمات التكنولوجية المتقدمة. وقد أظهرت المباحثات الأخيرة بين الجانبين اهتماماً كبيراً بتعزيز التعاون في هذا المجال، بما في ذلك ربط شبكات الإنترنت وتفعيل ممرات الكوابل. كما أن الأردن، بفضل بيئته المميزة والداعمة لريادة الأعمال، يمكن أن يكون شريكاً أساسياً في بناء وتطوير منظومة ريادة الأعمال في سوريا، من خلال نقل الخبرات وتوفير الدعم للشركات الناشئة.

وتتجلى معادلة “رابح-رابح” في هذه الشراكة بوضوح: فمن جهة، تستفيد سوريا من الخبرات الأردنية في إعادة بناء وتحديث بنيتها التحتية الرقمية، وتطوير قطاعاتها الاقتصادية، وتوفير فرص عمل جديدة. ومن جهة أخرى، تستفيد الشركات الأردنية من فرص التوسع والنمو في سوق واعد، مما يعزز من صادراتها ويسهم في تنويع مصادر دخلها. كما أن تعزيز الروابط الاقتصادية يساهم في استقرار المنطقة وازدهارها.

كما يتمتع الأردن بعدة مزايا تجعله الشريك الأكثر تأهيلاً لسوريا في هذه المرحلة، منها القرب الجغرافي والروابط التاريخية التي تسهل حركة البضائع والأفراد وتعزز الثقة والتعاون. كما أن خبرته الواسعة في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، بفضل بنيته التحتية المتطورة وكفاءاته البشرية المؤهلة، تمكنه من تقديم حلول عملية ومبتكرة تلبي احتياجات السوق السوري. بالإضافة إلى ذلك، فإن بيئة ريادة الأعمال الناشئة في الأردن، بوجود العديد من الشركات الناشئة الناجحة والبرامج الداعمة، تجعله نموذجاً يمكن لسوريا الاستفادة منه في بناء منظومتها الخاصة.

وتعزيزاً لهذه الشراكة، تلعب جمعية شركات تقنية المعلومات والاتصالات (إنتاج) ووزارة الاقتصاد الرقمي والريادة دوراً محورياً في التحضير لفعاليات مشتركة، وتدعيم تواجد الشركات الأردنية المتخصصة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتشبيكها مع شركاء وزبائن محتملين في سوريا الشقيقة. هذه الجهود تهدف إلى بناء جسور من التعاون المستدام، وتسهيل دخول الشركات الأردنية إلى السوق السوري، مما يضمن تحقيق أقصى استفادة من الفرص المتاحة لكلا الجانبين.

وفي الختام، إن تعزيز الشراكة الاقتصادية بين الأردن وسوريا، وخاصة في قطاعات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وريادة الأعمال، ليس مجرد خيار، بل ضرورة استراتيجية لتحقيق التنمية المستدامة والازدهار المشترك في المنطقة. إنها فرصة تاريخية لبناء مستقبل رقمي مزدهر يعود بالنفع على الشعبين الشقيقين.

*الرئيس التنفيذي لجمعية  شركات تقنية المعلومات والاتصالات في الأردن – انتاج