البيطار: غسل الأموال يلتهم حتى 5% من الناتج المحلي العالمي والفرص كبيرة للقطاع الخاص في تطوير الحلول التقنية

قال الرئيس التنفيذي لجمعية شركات تقنية المعلومات والاتصالات “إنتاج”، المهندس نضال البيطار، إن العالم يواجه تحدياً هائلاً في مكافحة الجرائم المالية الرقمية وغسل الأموال، مع تقديرات تشير إلى أن حجم الأموال التي يتم غسلها سنوياً يتراوح بين 800 مليار دولار وتريليوني دولار، أي ما يعادل ما بين 2% و5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

وأضاف أن هذه الأرقام مرشحة للارتفاع لتصل إلى نحو 6 تريليونات دولار بحلول عام 2030، وفقاً لتقديرات دولية متخصصة.

وأضاف البيطار، خلال مشاركته في جلسة نقاشية بعنوان “الجرائم المالية الرقمية ودور التقنيات الناشئة” ضمن منتدى اتحاد المصارف العربية الذي عقد في عمان، أن هذه الظاهرة تمثل تحدياً هائلاً أمام الأنظمة المالية العالمية، لكنها في الوقت ذاته توفر فرصة كبيرة أمام القطاع الخاص لتطوير حلول ابتكارية مدعومة بالتقنيات الحديثة تساهم في تعزيز كفاءة أنظمة الامتثال ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

وأشار إلى أن تكاليف الامتثال ارتفعت بنسبة تقارب 60% للمؤسسات المالية خلال السنوات الخمس الماضية، استناداً إلى تقارير عالمية، وهو ما يعكس الضغط المتزايد على البنوك والجهات الرقابية لتبني تقنيات حديثة تخفف من الأعباء التشغيلية والمالية.

وأضاف أن استطلاعات دولية كشفت أن 22.2% فقط من البنوك المركزية تمتلك استراتيجيات موثقة للتكنولوجيا التنظيمية (RegTech)، في حين أن 78% من البنوك حول العالم رفعت حجم استثماراتها في هذا المجال، بما يعكس اتجاهاً متنامياً نحو الاعتماد على التكنولوجيا كحل أساسي لتعزيز النزاهة والشفافية المالية.

وأكد البيطار أن المجرمين الذين ينشطون في الجرائم المالية الرقمية غالباً ما يمتلكون مهارات تقنية عالية تفوق أحياناً قدرات المؤسسات الحكومية والأمنية، ما يفرض على القطاعين العام والخاص العمل معاً بشكل متواصل وسريع لمواكبة التطورات.

وأضاف أن دعم الشركات الناشئة، وتشجيع الابتكار، وتطوير برامج تعليمية ومراكز احتضان أعمال، تمثل جميعها مداخل أساسية لتمكين الاقتصادات من مواجهة هذه التحديات.

وقال إن جمعية “إنتاج”، التي تأسست عام 2000 بناء على مخرجات المبادرة الملكية “ريتش” في عام 1999، ولعبت دوراً محورياً في تمثيل شركات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الأردنية، مشيراً إلى أن الجمعية تضم في عضويتها شركات كبيرة ومتوسطة وصغيرة تعمل في مختلف مجالات التقنية والاتصالات.

وأضاف أن الجمعية غير ربحية وتعمل على ثمانية محاور رئيسية تشمل المشاركة في تطوير التشريعات وتحفيز بيئة الأعمال، دعم التحول الرقمي، تعزيز المهارات البشرية، دعم الشركات الناشئة، وبناء شراكات مع القطاعات: العام والخاص، والأكاديمي.

وأوضح البيطار أن الأردن كان ولايزال من أوائل الدول في المنطقة التي تبنت التحول الرقمي عبر سياسات وتشريعات حديثة، مشيداً بدور البنك المركزي الأردني في قيادة مسيرة الابتكار المالي عبر دعم إطلاق أنظمة دفع رقمية رائدة مثل “أي فواتيركم” و”كليك”، والبيئة التنظيمية التجريبية (Sandbox) لتكون بيئة آمنة تسمح للشركات والشركات المالية بتقديم حلول مالية مبتكرة لجهات السوق واختبارها مع العملاء الحقيقيين، تحت إشراف البنك المركزي ، التي تتيح اختبار الابتكارات المالية ضمن بيئة آمنة قبل اعتمادها بشكل كامل.

واعتبر أن هذه الجهود والسياسات جعلت الأردن من الدول الأسرع في المنطقة في مواكبة التطورات التكنولوجية، سواء في المدفوعات الرقمية أو الأمن السيبراني أو الأصول الافتراضية.

وأشار إلى أن جمعية “إنتاج” عملت على كسب التأييد لتوفير حوافز كبيرة لشركات تكنولوجيا المعلومات من خلال إعفاءات ضريبية على الصادرات وتخفيضات على ضريبة الدخل والمبيعات، إلى جانب شراكات مع الجهات ذات العلاقة وخاصة صناع القرار بما في ذلك الحكومة ومجلسي النواب والأعيان لتطوير تشريعات محفزة وأكثر ملاءمة للقطاع.

وأضاف أن ‘انتاج’ تشارك بفاعلية في التأثير على مخرجات القوانين والتشريعات المرتبطة بالأمن السيبراني، حماية البيانات، والذكاء الاصطناعي، بما يضمن مواءمة البيئة التنظيمية مع متطلبات الشركات والأسواق.

وفيما يتعلق بالموارد البشرية، أوضح البيطار أن قطاع التكنولوجيا يعتمد على الكفاءات أكثر من اعتماده على الآلات، ما يجعل تنمية رأس المال البشري أولوية قصوى.
وأشار إلى أن حوالي 40% من خريجي تخصصات تكنولوجيا المعلومات في الأردن من الإناث، لكن نسبة مشاركتهن في سوق العمل لا تتجاوز 20%، مؤكداً أن ‘انتاج’ تعمل على توفير بيئة عمل أكثر مرونة تدعم مشاركة المرأة، خصوصاً من خلال فرص العمل عن بعد في المحافظات.
وأضاف أن ‘انتاج’ تتعاون مع الجامعات الأردنية ووزارة الاقتصاد الرقمي وجمعية المهارات الرقمية، وهيئة الاعتماد والجودة لضمان إدماج تخصصات مثل البلوكتشين والذكاء الاصطناعي في مناهج مختلف التخصصات، بما في ذلك المحاسبة والمالية والصيدلة، بهدف رفد السوق بمهارات رقمية عالية الجودة.
كما أشار إلى أن معهد الدراسات المصرفية التابع للبنك المركزي بدأ بإطلاق برامج متخصصة في التكنولوجيا المالية (FinTech)، بالتعاون مع دول رائدة في هذا المجال، ما يسهم في إعداد جيل من الكفاءات المؤهلة.
وأكد البيطار أن جمعية “إنتاج” تدير منصة “StartupsJo.com” بالشراكة مع وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة والصندوق الأردني للريادة، حيث تضم المنصة أكثر من 460 شركة ناشئة مصنفة حسب مراحل نموها والقطاعات التي تعمل بها، ما يوفر قاعدة بيانات متجددة تساعد في الربط بين رواد الأعمال والمستثمرين والبنوك.
واعتبر أن هذه المنصة تمثل أداة مهمة لدعم الشركات الناشئة وربطها بالقطاع المالي والقطاعات الأخرى، بما يعزز فرصها في دخول السوق وتطوير حلول عملية قابلة للتطبيق.
كما شدد على ضرورة تشجيع البنوك المحلية على الاستثمار في حلول ابتكارية من شركات ناشئة محلية بدلاً من الاعتماد فقط على حلول مستوردة من الخارج، مشيراً إلى أن عدداً من البنوك الأردنية بدأ بالفعل بتجربة برامج تجريبية مع شركات محلية، وهو ما وصفه بالخطوة الإيجابية نحو بناء شراكة حقيقية بين القطاعين المصرفي والتقني.
وفي ختام حديثه، أكد البيطار أن مواجهة الجرائم المالية الرقمية وغسل الأموال تتطلب “حواراً مستمراً” بين القطاعين العام والخاص والجامعات ومراكز البحث، مشدداً على أن الابتكار المستمر والدعم المؤسسي للشركات الناشئة يمثلان خط الدفاع الأول لمواكبة التغيرات السريعة في عالم التكنولوجيا المالية، وحماية الاقتصادات الوطنية من المخاطر المتنامية.