
عندما انطلقت فعاليات الملتقى الأردني السوري للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والجناح الأردني في معرض “هايتك” بدمشق الأسبوع الماضي، لم تكن هذه مجرد أنشطة اقتصادية عابرة، لكن كانت إعلاناً واضحاً عن بدء مرحلة جديدة من التكامل الرقمي الإقليمي الذي طال انتظاره، خاصة إن الزخم الهائل الذي شهدناه، بحضور أكثر من 230 مشاركاً من قادة القطاعين العام والخاص في المملكة الأردنية الهاشمية والجمهورية العربية السورية، ومشاركة نحو 80 شركة أردنية ونحو ذات العدد من القطاعين العام والخاص في الجمهورية العربيبة السورية، يؤكد أننا أمام فرصة تاريخية لا تقتصر على فتح أسواق جديدة، بل تمتد إلى بناء تكتل اقتصادي رقمي قادر على المنافسة عالمياً.
إن ما يميز هذه الشراكة هو التكامل العميق بين قدرات البلدين، حيث يمتلك الأردن منظومة تشريعية وسياسات ناضجة في التحول الرقمي والأمن السيبراني، وقطاعاً خاصاً وصل إلى أسواق عالمية، بالإضافة إلى بيئة ريادية متطورة.
وفي المقابل، تمتلك سوريا طاقات بشرية مؤهلة، وعزيمة صلبة على إعادة البناء والتطوير وسوقاً واعدة متعطشة للحلول الرقمية،إذ ان هذا المزيج بين الخبرة الأردنية والطموح والقدرات السورية يخلق معادلة نجاح فريدة، قادرة على تحويل التحديات إلى فرص حقيقية.
وفي ذات سياق، حددت نقاشاتنا في دمشق خارطة طريق واضحة تشمل قطاعات استراتيجية متعددة، فعلى سبيل المثال لاالحصر، في مجال الأمن السيبراني، يمكننا تأسيس منظومة دفاعية موحدة تحمي اقتصادنا الرقمي المشترك وتؤهلنا لتقديم خدمات أمنية متقدمة إقليمياً.
وفي الذكاء الاصطناعي، تتيح لنا الشراكة تطوير حلول مبتكرة تخدم احتياجات المنطقة الخاصة، أما في التحول الرقمي الحكومي، فإن نقل الخبرات الأردنية سيساهم في تسريع تطوير الخدمات العامة في سوريا الجديدة، وفي التكنولوجيا المالية والشمول المالي، يمكن لتوحيد أنظمة الدفع الإلكتروني أن يطلق العنان لحركة التجارة والاستثمار بين البلدين.
لكن الفرص لا تتوقف عند هذا الحد، فقطاعات مثل تكنولوجيا التعليم تفتح آفاقاً واسعة لتطوير منصات تعليمية مشتركة تخدم ملايين الطلاب، بينما توفر تكنولوجيا الزراعة والصحة حلولاً ذكية لتحديات حيوية تواجه مجتمعاتنا، لاسيما إن تكاتف الشركات الأردنية والسورية في هذه المجالات لن يساهم فقط في بناء سوريا الجديدة، بل سيمكننا من الوصول معاً إلى الأسواق الإقليمية والدولية بقوة أكبر وتنافسية أعلى.
إن ما يميز هذه المرحلة أيضاً هو الثروة البشرية الهائلة من السوريين والأردنيين المقيمين خارج بلديهم، والذين يمتلكون خبرات متقدمة وعلاقات واسعة في مجالات التكنولوجيا وريادة الأعمال والاستثمار في الشركات الناشئة، لذلك فإن مأسسة العلاقة مع هذه الجاليات والتشبيك معها بشكل ممؤسس سيفتح أمام الشركات الناشئة الأردنية والسورية أبواباً واسعة للوصول إلى أسواق جديدة والحصول على استثمارات نوعية، وهؤلاء الأفراد يمثلون جسراً حقيقياً بين طموحاتنا المحلية والفرص العالمية، وتفعيل دورهم سيكون عاملاً حاسماً في نجاح هذه الشراكة.
إن النجاح الذي حققناه في دمشق ليس نهاية المطاف، بل هو نقطة الانطلاق، والآن، تقع على عاتقنا جميعاً، في القطاعين العام والخاص، مسؤولية تحويل هذا الزخم إلى مشاريع ملموسة وشراكات مستدامة.
نحن لا نعيد بناء ما كان، بل نبني ما يجب أن يكون: مستقبل رقمي عربي متكامل ومنافس، فالمستقبل يبدأ اليوم، ومن دمشق وعمّان، نخطو أولى خطواتنا نحو تحقيقه.
*الرئيس التنفيذي – جمعية شركات تقنية المعلومات والاتصالات (إنتاج)