يثير الازدهار الهائل في قطاع الذكاء الاصطناعي، والذي تقدر استثماراته بتريليونات الدولارات، جدلاً واسعاً في الأوساط التقنية والمالية حول العالم، وهنا يبرز السؤال، هل نحن أمام ثورة صناعية جديدة ومستدامة، أم مجرد فقاعة اقتصادية ضخمة على وشك الانفجار؟ للإجابة على هذا السؤال، لا بد من استعراض كلا المنظورين بموضوعية، مع تسليط الضوء على المشهد الأردني ودور الأطراف المعنية الرئيسية.

يشير أنصار حجة الفقاعة إلى مؤشرات مقلقة تذكرنا بفقاعة الدوت كوم، فقد صرح جاريد بيرنشتاين، الرئيس السابق لمجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس بايدن، بأن “حصة الاقتصاد المخصصة للاستثمار في الذكاء الاصطناعي أكبر بنحو الثلث من حصة استثمارات الإنترنت خلال فقاعة الدوت كوم”.

ويدعم هذا الرأي بات غيلسنجر، الرئيس التنفيذي السابق لشركة “Intel”، الذي صرح بوجود “عناصر من اللاعقلانية” و”نفوذ هائل” في النظام الحالي، حيث تظهر البيانات أن شركات مثل “OpenAI” تلتزم باستثمارات تقارب تريليون دولار، بينما لا تتجاوز إيراداتها 13 مليار دولار سنوياً، ومما يزيد من هذه المخاوف، كشف تقرير حديث لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) أن 95% من المشاريع التجريبية للذكاء الاصطناعي التوليدي في الشركات تفشل.

في المقابل، يرى المدافعون عن استدامة الذكاء الاصطناعي أننا في بداية “ثورة صناعية جديدة”، على حد تعبير جنسن هوانغ، الرئيس التنفيذي لشركة “Nvidia”، ويستند هذا التفاؤل إلى وجود إيرادات حقيقية ونموذج أعمال واضح. فقد وصلت الإيرادات السنوية المتكررة لشركة “OpenAI” إلى 10 مليارات دولار في يونيو 2025، كما ارتفعت نسبة تبني الشركات للذكاء الاصطناعي إلى 78% في عام 2024.

وتؤكد قصص النجاح العملية هذه الحجة، حيث وفرت “Walmart” 75 مليون دولار باستخدام الذكاء الاصطناعي في سلاسل التوريد، بينما استخدم “JPMorgan Chase”الذكاء الاصطناعي لإنجاز 360 ألف ساعة عمل سنوياً في مراجعة العقود.

وفي خضم هذا الجدل العالمي، يتخذ الأردن خطوات استراتيجية طموحة ليصبح مركزاً إقليمياً للذكاء الاصطناعي، حيث تقود وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة هذه الجهود من خلال “الاستراتيجية الأردنية للذكاء الاصطناعي (2023-2027)”، والتي تتضمن 68 مشروعاً موزعاً على قطاعات حيوية، في حين تؤدي جمعية المهارات الرقمية دوراً محورياً حيث ساهمت في تدريب أكثر من 8000 مستفيد من الطلبة والباحثين عن عمل، بهدف سد الفجوة مع متطلبات سوق العمل. وقد أثمرت هذه الجهود عن تحسين ملحوظ في ترتيب الأردن في مؤشر جاهزية الحكومات للذكاء الاصطناعي من المرتبة 80 في 2021 إلى 49 في 2024.

ويأتي المجلس الوطني لتكنولوجيا المستقبل، الذي يترأسه دولة رئيس الوزراء بإشراف ومتابعة من سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ليعزز هذه الجهود من خلال توفير رؤية استراتيجية عليا للتحول الرقمي، إذ يهدف المجلس إلى تعزيز مكانة الأردن كدولة متقدمة تكنولوجياً، مع التركيز على الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الناشئة، والأمن السيبراني، والبنية التحتية الرقميةوالتشريعات، والصحة الرقمية، والحياة الذكية والاستدامة والتكنولوجيا الخضراء، وتطوير التعليم ومستقبل العمل .

وفي الختام، يبدو أن الذكاء الاصطناعي يحمل سمات كل من الفقاعة الاستثمارية والتحول التكنولوجي الجذري، فبينما تشير التقييمات الضخمة والمشاريع المتعثرة إلى وجود مضاربات غير مبررة، يثبت التبني الواسع والتطبيقات العملية القيمة الحقيقية لهذه التقنية.

وبالنسبة للأردن، يمثل هذا المشهد فرصة ذهبية وتحدياً استراتيجياً في ذات الوقت. إذ من خلال التركيز على بناء القدرات البشرية، وتشجيع الاستثمار المسؤول، وتعزيز التعاون الفعّال بين القطاعات الحكومية والخاصة والأكاديمية، يمكن للمملكة أن تتجنب مخاطر الفقاعة المحتملة وتجني ثمار هذه الثورة الرقمية بما يخدم التنمية المستدامة.

المهندس نضال البيطار 

الرئيس التنفيذي لجمعية شركات تقنية المعلومات والاتصالات في الأردن – انتاج