يشهد عالمنا اليوم تطوّراً متسارعاً تلعب فيه التكنولوجيا دوراً مهمّاً من حيث تعزيز الابتكار والنموّ والنشاط الاقتصاديّ؛ وبالتّالي زيادة إمكانيّة تحقيق المرأة لقوّتها الاقتصاديّة واستقلالها، خاصّة وأنّ مساهمة مشاركة المرأة في قطاع التكنولوجيا والقطاعات الّتي تعتمد على التكنولوجيا لا تشكّل نسبة كبيرة في هذا المشهد المتحرّك.

تشير أحدث البيانات في الأردنّ إلى أنّ نسبة مشاركة النساء في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتّصالات تبلغ حوالي ال 33% فقط؛ ممّا يدلّ على عدم الاستفادة بشكل كبير من مواهبهنّ، بالرغم من تفوّقهنّ العلميّ وحصولهنّ على علامات دراسيّة أعلى من الرجال في الرياضيّات والهندسة ومعلومات الحاسوب، والّتي إن تمّ استثمارها بشكل صحيح، فستنعكس نتائجها على تطوّر وتقدّم وربحيّة شركات تكنولوجيا المعلومات.

إنّ صناعة التكنولوجيا، بطبيعتها في تطوّر مستمرّ، لكنّها كانت لفترة طويلة ميداناً يهيمن عليه الذكور، وبالتّالي من الضروريّ فهم القيمة الكبيرة الّتي تضيفها المزيد من مشاركة النساء في هذا القطاع، خاصّة وأنّ تنوّع الجنسين ضمن فرق العمل يساهم في جلب وجهات نظر فريدة ومهارات في حلّ المشكلات، ممّا يؤدّي إلى حلول أكثر ابتكاراً تتناسب مع الاحتياجات المختلفة ضمن الشركات.

ويساهم تعزيز التنوّع الجنسيّ داخل الشركات بشكل كبير في النجاح الماليّ والإداريّ، حيث أظهرت دراسة قامت بها “McKinsey” أنّ الشركات الّتي تمتلك فرق تشمل الجنسين تميل إلى تحقيق ربحيّة أعلى بنسبة 21%، ممّا يؤكّد ان تشجيع مشاركة المزيد من النساء للانضمام إلى سوق العمل في مجال التكنولوجيا يساهم في زيادة المواهب، ويمنح الشركات إمكانيّة الوصول إلى مجموعة أوسع من المهارات والإبداع.

الدول في جميع أنحاء العالم تعترف بالحاجة الملحّة إلى تعزيز مشاركة النساء في قطاع التكنولوجيا، الأمر الّذي حفّزهم إلى تنفيذ مبادرات مؤثّرة متنوّعة في هذا المجال.

ففي أيرلندا على سبيل المثال، تلعب منظّمة “نساء في التكنولوجيا والعلوم”Women in Technology and Science (WITS)” دوراً حيويّاً هامّاً من خلال تقديم فرص التشبيك وبرامج التوجيه لتمكين النساء وتسهيل تقدّمهنّ في مسيرتهنّ المهنيّة.

أمّا في سنغافورة، فتعمل منظّمة “نساء سنغافورة العاملات في التقنيّة (SG Women in Tech)” على تنمية بيئة داعمة للنساء في صناعة التقنيّة المحلّيّة، من خلال تنظيم فعاليّات وبرامج توجيه تعزّز الشبكات والتعلّم والنموّ المهنيّ.

وعلى الرغم من التقدّم الّذي لا يمكن إنكاره من نسبة زيادة مشاركة النساء في قطاع التكنولوجيا عالميّاً وإقليميّاً ومحلّيّاً، إلّا أنّ هناك عقبات ما زالت تعيق زيادة هذه النسبة، وغالباً ما يرافق نقص تقديم نماذج نسائيّة في المناصب القياديّة في مجال التكنولوجيا صعوبة على النساء في تصوّر أنفسهنّ في تلك المناصب، الأمر الّذي يعتبر تحدّياً سائداً في كثير من دول العالم.

كما أنّ الصور النمطيّة للذكور الشاغلين لمناصب قياديّة ساهمت في نشر الفهم الخاطئ بأنّ التكنولوجيا هي مجال للرجال فقط، ممّا يثني العديد من النساء عن التفكير في وظائف متعلّقة بالتكنولوجيا.

بالإضافة إلى بعض العوائق الّتي يمكن أن تشكّلها طبيعة العمل في مجال التكنولوجيا، خصوصاً اللّواتي يتحمّلن مسؤوليّات الأسرة، الأمر الّذي يؤثّر في توازن حياتهنّ العمليّة والشخصيّة.

وفي حالات معيّنة، مثل الأردنّ، يلعب نظام النقل وتركيز الشركات في العاصمة عمّان دوراً كبيراً في تقييد فرص النساء في مجال التكنولوجيا. ممّا يؤكّد ضرورة تجاوز هذه العقبات وخلق بيئة تكنولوجيّة شاملة.

وإدراكاً منها على أهمّيّة زيادة مشاركة النساء في قطاع التكنولوجيا، أضافت “جمعيّة شركات تقنيّة المعلومات والاتّصالات في الأردنّ – إنتاج” محوراً جديداً بعنوان “نساء في التكنولوجيا” إلى أنشطتها السبعة الأخرى، الأمر الّذي يظهر التزامها الجدّيّ بتعزيز مشاركة النساء في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتّصالات على جميع المستويات يشكّل إضافة إلى الجهود والتعاون في استغلال خبرة وموارد جميع الجهات المعنيّة في هذا المجال، مثل وزارة الاقتصاد الرقميّ والريادة الّتي أنشأت أيضاً وحدة لتمكين المرأة، بالإضافة إلى اللجنة الوطنيّة الأردنيّة لشؤون المرأة، ووزارة العمل، وجهات أخرى مثل الجهات المانحة ومؤسّسات المجتمع المدنيّ، وشركات القطاع الخاصّ.

فمن خلال التنسيق والعمل المشترك، يمكن لهذه المؤسّسات جميعها العمل على زيادة مشاركة النساء في قطاع التكنولوجيا.

كما أنّ دعم الشركات الناشئة الّتي تؤسّسها النساء ليس مهمّاً فقط، لكنّه ضرورة استراتيجيّة لتعزيز الابتكار والنموّ الاقتصاديّ. إذ أنّ هذه الشركات ساهمت وتساهم في تقديم وجهات نظر جديدة وحلول مبتكرة في السوق، ومن خلال التعاون والتنسيق والعمل المشترك يمكننا تحقيق بيئة داعمة، وصولاً إلى إطلاق إمكانيّات رياديّات الأعمال ممّا سينعكس بالضرورة على بروز منتجات وخدمات رائدة وجديدة تعود بالفائدة على المجتمع ككلّ.

في المحصّلة، فإنّ الطريق نحو تمكين النساء اقتصاديّاً وزيادة مشاركتهنّ في قطاعات التكنولوجيا هو طريق يتطلّب الفهم والتعاون والدعم من جميع الجهات ذات العلاقة. إذ إنّ وجهات نظرهنّ الفريدة وتجاربهنّ وصفاتهنّ تشكّل إضافة نوعيّة ستقودنا بالتأكيد نحو مستقبل يتّسم بالابتكار والشموليّة والازدهار