في ظل الحاجة الملحّة لتعزيز الضبط المالي ومنع التلاعب بالحسابات المالية للشركات أو المؤسسات يتجدد الحديث عن التحول الرقمي كأداة أساسية لتحقيق الشفافية والكفاءة، حيث يتم الكشف بين الحين والآخر عن ثغرات في الأنظمة المالية التقليدية، مما يؤكد أن غياب الأتمتة الكاملة يترك المجال مفتوحًا للتجاوزات المالية دون رقابة فعلية.
إن التحول الرقمي ليس مجرد إدخال التكنولوجيا إلى المؤسسات، بل هو إعادة تصميم للعمليات الإدارية والمالية لجعلها أكثر شفافية وكفاءة، فعندما تكون المعاملات موثقة إلكترونيًا وقابلة للتتبع الفوري، يصبح التلاعب بها صعبًا، مما يحد من الاختلاسات والجرائم المالية، لذلك فإن الأنظمة الرقمية تسجل كل معاملة، مما يمنع تعديل البيانات دون ترك أثر رقمي واضح.
كما تقلل الرقمنة من التدخل البشري المباشر، فتحد من فرص الرشاوى واستغلال النفوذ، زيادة على ذلك، فإن الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات يساعدان على رصد الأنماط غير الطبيعية في الإنفاق، مما يسهل اكتشاف التلاعب بالحسابات قبل تفاقمه.
إضافة إلى ذلك، تتيح الأنظمة الرقمية مراقبة فورية من قبل الجهات الرقابية، مما يعزز المساءلة، ويمنع الجرائم المالية قبل وقوعها، لتصبح الشفافية هي القاعدة في إدارة المال العام.
دول عديدة أثبتت أن الرقمنة هي الحل الأمثل لضمان النزاهة، ففي إيرلندا على سبيل المثال، ساعدت الحكومة الرقمية في تعزيز الشفافية من خلال أتمتة عمليات المشتريات الحكومية، مما أدى إلى تقليل فرص التلاعب المرتبط بالعقود والتوريدات، وأسوة في ذلك، تم إدخال تقنيات الذكاء الاصطناعي في عمليات التدقيق المالي، حيث يتم تحليل البيانات بشكل آلي لاكتشاف أي أنماط مشبوهة أو معاملات غير اعتيادية، مما حدّ من إمكانية التلاعب بالحسابات العامة.
أما في سنغافورة، فقد أدى التحول الرقمي إلى تعزيز المساءلة من خلال أنظمة محاسبية دقيقة تعمل على رصد أي نشاط مالي غير قانوني، ولم يعد هناك حاجة للمعاملات الورقية، وأصبحت كافة العمليات تتم عبر أنظمة مؤتمتة تراقب الإنفاق الحكومي بشكل فوري، مما جعل التهرب الضريبي والتلاعب بالأموال العامة شبه مستحيل.
وفي إستونيا، تعتبر الحكومة الإلكترونية نموذجًا عالميًا في الشفافية، حيث يمكن للمواطنين تتبع أي معاملة حكومية رقمياً، مما أدى إلى تعزيز الضبط المالي والشفافية إلى أعلى المستويات، فقد أتمتت الدولة جميع خدماتها الحكومية، وربطتها بأنظمة رقمية مؤمنة، حيث أصبحت جميع المعاملات المالية خاضعة للمراقبة الفورية، مما يصعب أي عمليات اختلاس أو تزوير.
على المستوى المحلي، تمتلك الشركات الأردنية العاملة في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات إمكانيات كبيرة للمساهمة في التحول الرقمي المنشود، فقد أثبتت العديد من الشركات الأردنية قدرتها على تطوير حلول رقمية متقدمة تخدم مختلف القطاعات، ونجحت في تحقيق قصص نجاح كبيرة محليًا وإقليميًا وعالميًا.
ومن خلال الاستفادة من هذه الخبرات، يمكن تسريع وتيرة الأتمتة في المؤسسات – سواءً كانت قطاع عام أو قطاع خاص – وتعزيز أنظمة التدقيق والشفافية الرقمية، فإن دعم هذا القطاع وتشجيع التعاون معها سيسرع تنفيذ الحلول الرقمية التي تمنع التلاعب وتحسين كفاءة الإدارة المالية.
وأخيرًا، فإن الحل يكمن في الإسراع في تنفيذ التحول الرقمي بشكل شامل، بحيث تصبح كافة المعاملات المالية محكومة بأنظمة ذكية تمنع أي محاولات تلاعب قبل أن تحدث، إذ ان التحول الرقمي الشامل، والاعتماد على الذكاء الاصطناعي في التدقيق المالي، هي الخطوات الضرورية للضبط المالي ومنع التلاعب بالحسابات، فلا يكفي مجرد كشف قضايا الفساد بعد وقوعها، بل يجب العمل على منعها قبل أن تبدأ، وهذا لن يتحقق إلا عبر التحول الرقمي الحقيقي.
*الرئيس التنفيذي لجمعية شركات تقنية المعلومات والاتصالات – إنتاج